الرئيسية ثقافة أفكار

من أجل "ديمقراطية أدبية عربية"

بقلم لحسن العسبي


06 جويلية 2014 | 16:28
shadow


الكاتب : كاتب صحفي من المغرب


تسمح لنا ذكرى مرور 100 سنة على صدور أول رواية أدبية في العالم العربي، هي رواية "زينب" للأديب ورجل القانون المصري محمد حسين هيكل، المتوفى سنة 1956، والتي صدرت سنة 1914، إلى طرح سؤال مركزي حول ما هي خريطة الأدب الجديدة في دنيا العرب؟. كونه واحدا من الأسئلة التي تفرض نفسها اليوم على مشهد الإنتاج الأدبي بعالمنا العربي، في بداية القرن 21. لأن التحولات التي تحققت على مستوى الإبداعية�محت ببروز تيارات جديدة، لا تكرر بالضرورة تجربة جيل بدايات القرن 20، وما تلاها من ابتكارات أدبية سواء على مستوى الشعر أو الرواية أو النقد. لأنه بعد تجربة مجموعة أبولو المهجرية، وتجربة أدب الرحلة إلى باريس ولندن، وبعد تجربة القصيدة الحرة، والنقد الأدبي السجالي الجديد بالقاهرة (خاصة مدرسة طه حسين ومصطفى العقاد ومحمد معقاد ومحمد منذور)، أصبحنا منذ عقدين من الزمن أمام ظواهر أدبية عربية جغرافيا ورؤيويا، تختلف عن كل ما تراكم خلال المئة سنة الماضية.

وأذكر في هذا الباب، نقاشا حاميا كان قد جمعني ببيروت في اجتماع رسمي لليونيسكو لاختيار 24 عنوانا أدبيا ضمن مشروع "جريدة في كتاب" الذي كان قد حقق انتشارا واسعا لعدد من النصوص الإبداعية العربية بلغ 3 ملايين نسخة في الشهر لكل نص منها. وهو الاجتماع الذي ترأسه الشاعر العربي الكبير أدونيس، حين عبرت عن امتعاضي من الاكتفاء باختيار اسمين فقط من الأسماء الأدبية المغاربية. لأنه قدمت، بتنسيق مع الشاعر المغربي محمد بنيس، الذي غادر حينها بعد الجلسة الافتتاحية إلى نيويورك، لحضور أول احتفال كوني بالأمم المتحدة باليوم العالمي للشعر، الذي قرره المنتظم الدولي يوم 21 مارس من كل سنة، استجابة لطلب مغربي رسمي تقدم به حينها "بيت الشعر المغربي" ودعمته الحكومة في شخص وزير الثقافة محمد الأشعري والوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي. أقول قدمت لائحة بأسماء مغاربية اعتبارا لغياب الإخوة من الجزائر وتونس وليبيا، فيما طلب منا ممثل موريتانيا أن ندعم ديوان الشعر الموريتاني. كانت مفاجأتي كبيرة، حين تطوع الشاعر العراقي شوقي عبد الأمير، بصفته الجهة المحتضنة ببيروت، كونه مدير مكتب اليونيسكو بها، للرد على استغرابي منح 9 أسماء لمصر ضمن 24 اسما المختارة، والاكتفاء باسمين فقط لكل المغرب العربي. مؤكدا له أن روحية مبادرة اليونيسكو كامنة في منح الفرصة لأسماء عربية لا تتوفر لها إمكانيات الوصول إلى القارئ العربي، وأن للإبداعية المصرية شبكة تواصل هائلة تمكنها من الوصول بيسر.

كان رد الشاعر شوقي عبد الأمير، أن السر في اختيار كل تلك الأسماء المصرية، راجع إلى أن بلاد النيل ظاهرة أدبية. فكان ردي عليه هو التساؤل: بأية مقاييس؟. نعم مصر كانت ظاهرة أدبية في فترة زمنية سابقة، زمن فطاحلتها الكبار، الذين أنتجوا نظرية أدبية متكاملة، وصنعوا مجدا عربيا وليس مصريا فقط، أما الحال منذ نهاية الثمانينات، هو أن مصر قد دخلت مرحلة كمون أدبي وأن ما يصدر من مطابعها لا يعدو أن يكون رجع صدى لمجد كان. وأن الظواهر الأدبية الجديدة توجد في جغرافيات عربية أخرى اليوم، في الخليج (خاصة البحرين وسلطنة عمان والإمارات ثم السعودية لاحقا، خاصة أصواتها النسائية الأدبية)، وأن المغرب العربي كله يقدم ملامح قوية جدا لظاهرة أدبية متمايزة مختلفة عن كل السؤال الأدبي العربي المشرقي، اعتبارا لاختلافات في الوعي بالذات وفي الرؤية للآخر وللعالم. وأن لبنان ظاهرة أدبية (لأن ما أنتجه، ولا يزال ينتجه، جيل الروائي الشاب، ربيع جابر، أكبر عنوان على ذلك). بالتالي، فإن خريطة الإبداعية العربية قد تغيرت، وعلى رؤيتنا النقدية أن يطالها ذات التغيير في الرؤية للواقعة الأدبية المنتجة بروحية جديدة مختلفة عن كلاسيكيات الأدب العربي.

كان ذلك فرصة لتدخل أسماء عربية مشاركة وازنة دعمت فكرتي (مثل الشاعر الإماراتي ناصر الظاهري، والشاعر اللبناني عبده وازن، والناقدة اللبنانية يمنى العيد، وصاحب مجموعة صخر الكويتية رحمه الله)، مما جعل الشاعر أدونيس يقرر تأجيل الحسم في الاختيار إلى ما بعد إعادة تقديم جدولة جديدة للاختيار، كانت نتيجتها أكثر إنصافا (حيث انتقلت الأسماء المغاربية من اسمين إلى ستة أسماء ضمنها من المغرب الروائي محمد زفزاف والمسرحي عبد الكريم برشيد ومن الجزائر الروائي واسيني الأعرج ومن تونس الشاعر منصف المزغني ومن ليبيا الروائي إبراهيم الكوني ثم ديوان الشعر الموريتاني، وانتقلت الأسماء الخليجية من ثلاثة أسماء إلى ستة أسماء، وتقلص عدد الأسماء المصرية).

ما يهم في هذه الواقعة، ليس تفاصيلها بالضرورة، بل راهنية الرؤية إلى الواقعة الأدبية العربية برؤية جديدة مغايرة. ولعل ما أعاد إلي هذه التفاصيل اليوم، قيمة الحضور المغربي والمغاربي ضمن جوائز روائية ذات قيمة عالمية عربيا، من قبيل جائزة البوكر الروائية (ثلاثة أسماء مغربية هذه السنة)، وجائزة الشيخ زايد الأدبية بالإمارات (4 أسماء أدبية مغربية). إضافة إلى حضور أسماء عربية خليجية وشامية وازنة في تلك الجوائز العالمية، مما يؤكد أن الذائقة الأدبية العربية طالتها تغييرات عدة، وأن فكرة المركز قد ولت وانتهت إلى الأبد، وأن كل بلاد العرب عواصم للإبداعية الواعدة اليوم. وهذا واحد من عناوين التحول في صيرورة المجتمعات العربية، مثلما أنه العنوان على تحقق "ديمقراطية أدبية" أكبر وأرسخ.



مواضيع ذات صلة

التعليقات

أترك تعليقا

شكرا لك تمت إضافة تعليقك بنجاح .
تعليق