الرئيسية حوار وملف موقف وحدث

مساهمة بقلم المحامي الأستاذ مقران آيت العربي

من أجل دستور يضمن الديمقراطية والاستقرار


02 ماي 2014 | 19:58:24
shadow


الكاتب :


"يجب على الفرد أن يتنازل عن جزء من حريته لكي يحتفظ بالباقي"، جورج واشنطن  ملاحظة: هذا الباب الأخير من كتاب بعنوان "سنوات الغضب" لمقران آيت العربي، الذي سيصدر بعد العطلة الصيفية. من المبادئ الراسخة في أي نظام ديمقراطي مبدأ التداول على السلطة بالوسائل السلمية. ويتم التداول وفقا لدستور توافقي يصادق عليه الشعب بكل حرية، بعد مناقشة المشروع والتصويت عليه من طرف برلمان يحظى بثقة المواطنين. وينبغي أن يتضمن الدستور ضمانات كافية منبثقة من الرغبة المشتركة في التعايش السلمي بين الجزائريين. ويعني مبدأ التداول على السلطة في اعتقادي تطبيق برنامج الحزب أو الأحزاب الفائزة بالأغلبية البرلمانية أو الرئاسية، والتي تم عرضها خلال الحملة الانتخابية، دون المساس بمشروع المجتمع الناتج عن نضال طويل من أجل الديمقراطية والحرية والكرامة والعدالة، والذي بلورته الحركة الوطنية، وجسدته الثورة التحريرية، ووثقه بيان أول نوفمبر 1954. وقد نص هذا البيان على الأهداف الأساسية التي ترمي الثورة إلى تحقيقها ودوامها وعلى الخصوص: 1 –" إقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية ، 2 - احترام جميع الحريات الأساسية دون تمييز عرقي أو ديني ". فالتداول على السلطة إذن لا يتم بين مشروع دولة مدنية ودولة بوليسية ولا بين دولة ديمقراطية ودولة دينية، ولا بين دولة القانون ودولة التحكم، بل يتم بين برامج كلها ديمقراطية في إطار الجمهورية ودولة القانون الوضعي. وفي هذا المجال لا ينبغي إقصاء أحد يرغب في العمل السياسي في إطار احترام هذه المبادئ وفي هذا السياق، لا بد من التطبيق الصارم للدستور وقوانين الجمهورية المنبثقة عن برلمان منتخب بطريقة حرة ضد كل من ينادي باستعمال العنف قصد الوصول إلى السلطة أو البقاء فيها، أو يحاول استبدال النظام الجمهوري بكل ما يحمله من معنى، بنظام آخر، وبأية وسيلة كانت. وعلينا ألا نخلط بين التسامح والتساهلية، وبين الصرامة والتسلط. وفي هذا الاتجاه، أرى أنه لا بد من فتح حوار وطني على كل المستويات، يشارك فيه الجميع حول الطرق والوسائل والقواعد الدستورية التي ستحقق الجمع بين الديمقراطية والاستقرار. دون الخوض في التفاصيل، أسجل بإيجاز أن الجزائر عرفت ثلاثة دساتير، بغض النظر عن التعديلات، ولكنها لم تعرف الديمقراطية منذ الاستقلال ولا الاستقرار منذ أحداث أكتوبر1988. فما سبب ذلك؟ هناك أسباب كثيرة حالت دون تحقيق الديمقراطية والاستقرار. وأهم الأسباب في نظري تعود إلى تحريف أهداف الثورة التحريرية، ومصادرة الإرادة الشعبية من طرف نظام تسلطي نصب نفسه وصيا على الشعب عند الاستقلال بقوة السلاح، ولا يزال هذا النظام رغم اختلاف الأشخاص قائما، يمارس السلطة من أجل حماية مصالح جماعات معينة على حساب المصالح العليا للشعب والأمة، ولا يرغب في التخلي عنها مهما كان الثمن. كما قامت الحركة الأصولية بتحريف عبارة " ضمن إطار المباديء الإسلامية " الواردة في نفس البيان، وعملت على إحلال دولة دينية محل الدولة المدنية، مستعملة في ذلك كل الوسائل الاحتيالية للوصول إلى السلطة والبقاء فيها " بالصندوق أو بالصندوق". وأمام تصادم مصالح من يريد البقاء في السلطة، ومن يريد الوصول إليها بكل الوسائل، بما فيها العنف من جهة والإرهاب من جهة أخرى، حدث ما يعرفه الجميع. ولا شك أن غرض ثوار أول نوفمبر 1954 من عبارة " ضمن إطار المبادئ الإسلامية" هو التضامن والتآخي والعدالة الاجتماعية والحرية والمساواة والاعتناء بالفئات المحرومة، وليس إقامة دولة دينية في الجزائر المستقلة. فبدلا من توحيد الجهود، والعمل من أجل التحول الديمقراطي السلمي، عن طريق حوار لإيجاد أنجع الوسائل، فضل النظام، مرة أخرى، سياسة الهروب إلى الأمام عن طريق " إصلاحات" تكرس الوضعية الراهنة، وإعداد مشروع تعديل الدستور من طرف لجنة في سرية تامة قصد استمرارية النظام بوسائل تحايلية. كما فضل قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحلة العودة إلى خطاب 1992 وعودة الفيس إلى الواجهة، بمباركة بعض الذين اكتشفوا المعارضة في سن التقاعد لعرقلة أية خطوة في طريق التغيير الديمقراطي السلمي. في غياب النقاش، طرحت تساؤلات حول النظام الدستوري المرغوب. هناك من يفضل النظام البرلماني لكونه "أكثر ديمقراطية" ومن يرغب في النظام الرئاسي لأنه "يسمح بالتحكم في القضايا الكبرى" نظرا لتركيز السلطة بيد رئيس يتم اختياره من طرف الجماعات الفاعلة مثلما يحدث منذ الاستقلال. وأرى من جهتي أن النظام الرئاسي يحتاج إلى مؤسسات قوية ومستقلة، ومجتمع مدني حقيقي لتجنب التحكم والانفراد بالقرار. وأن النظام البرلماني يقتضي وجود أحزاب منظمة وقوية، ولها برامج واضحة، ومصداقية شعبية، وعلى رأسها شخصيات سياسية قادرة على تجنب الفوضى والأزمات الحكومية. أما النظام الدستوري الحالي، وخاصة بعد تعديلات 2008، فإنه يضم مساوئ النظامين الرئاسي والبرلماني. فالحكومة تطبق برنامج الرئيس وهذا الأخير غير مسؤول أمام البرلمان. والمجلس الوطني مجرد غرفة تسجيل يصادق على "الإصلاحات" وأوامر رئيس الجمهورية بدون نقاش تفاديا للحل. ومجلس الأمة أصبح مجرد نادي الأصدقاء. والقضاء مجرد ميدان لتصفية الحسابات بين الجماعات الحاكمة. ومجلس الوزراء باعتباره مصدر قرارات السلطة التنفيذية لا يجتمع إلا نادرا. أما المؤسسات الأخرى فهي تابعة من الناحية العملية لرئاسة الجمهورية بسبب طريقة تعيين رؤسائها من طرف شخص واحد. وهكذا فإن من له سلطة حقيقية ليس له رغبة في التغيير، ومن يرغب في التغيير لا سلطة له. وحتى المحكمة العليا للدولة التي" تختص بمحاكمة رئيس الجمهورية عن الأفعال التي يمكن وصفها بالخيانة العظمى، ورئيس الحكومة عن الجنايات والجنح ، التي يرتكبانها بمناسبة تأديتهما لمهامهما" المنصوص عنها في المادة 158 من الدستور لم تؤسس رغم مرور أكثر من17 سنة عن هذا النص الدستوري. ورغم أهمية هذه المحكمة في تحقيق مبدأ "القانون فوق الجميع" لم يتم مجرد توجيه سؤال شفوي لوزير العدل حول الموضوع من طرف "نواب الشعب ونواب الأمة". والأحزاب لا تدافع عن استقلال المؤسسات والهيئات الدستورية، وتحديد السلطات والمسؤوليات، وتفعيل السلطات المضادة، والخروج من سياسة عدم المساءلة إلا عشية كل انتخاب. وذلك لكون هموم معظم الأحزاب، ومنها أحزاب "المعارضة "لا تتعدى (حتى يوم 17 أبريل 2014 والبقية تأتي) الانتخابات والحصول على مقاعد قصد تقسيم الريع، كأن الحياة السياسية تختزل في الانتخابات. وحتى دستور 1963 الذي منح جميع السلطات للحزب الواحد، ولرئيس الجمهورية، نص على مسؤولية رئيس الجمهورية أمام المجلس الوطني، وعلى أنه إذا لم يصدر رئيس الجمهورية القوانين في الآجال المنصوص عليها، يتولى رئيس المجلس الوطني إصدارها. وأنه يمكن للمجلس أن يصوت على سحب الثقة مما يؤدي إلى استقالة رئيس الجمهورية وجوبا، وحل المجلس الوطني مقابل هذه السلطة. والتشريع بالأوامر من طرف رئيس الجمهورية، الذي يتخذ في مجلس الوزراء، لا يتم إلا بتفويض من المجلس الوطني، ولمدة محددة (المواد 47، 51، 55، 56، 58 من دستور 1963). وبعد نصف قرن من الاستقلال لا يزال رئيس الجمهورية يتمتع بكل السلطات وبدون مراقب أو سلطة مضادة. إن تجنيب المأساة لشعبنا في المستقبل يقتضي فتح نقاش واسع بين جميع فعاليات المجتمع، دون إقصاء أي طرف بسبب الانتماءات الفكرية والسياسية والأيديولوجية والدينية والعرقية والثقافية... وينبغي أن ينصب النقاش حول القضايا الجوهرية التي يمكن أن تكون محل توافق لتوضع كديباجة في الدستور ولا تقبل التغيير أو التعديل مهما كانت الأغلبية الرئاسية أو البرلمانية في المستقبل. وقد ينتج عن هذا النقاش العام توافق حول سيادة الشعب، وعناصر الهوية الوطنية، واحترام الحريات العامة وحقوق الإنسان والمواطن، والنظام الجمهوري، والتداول على السلطة بالوسائل الديمقراطية السلمية، والفصل بين السلطات، واستقلال القضاء، وعدم إقحام الدين في القضايا السياسية، ووضع الجيش ومصالح الأمن خارج اللعبة السياسية لتكون في خدمة الشعب والأمة والدولة بغض النظر عن الأغلبية البرلمانية أو الرئاسية. أما التعديلات المحتملة، فينبغي أن ترمي إلى توسيع مجال الحريات العامة وحقوق الإنسان والمواطن، وإلى الانتقال من نظام الترخيص إلى نظام التصريح فيما يخص تأسيس الجمعيات والأحزاب والجرائد وعقد الاجتماعات والمسيرات السلمية، وإلى استقلال السلطات والتوازن بينها. مع تقليص صلاحيات الرئيس، وتوسيع صلاحيات مجلس الوزراء، والبرلمان، وتدعيم الرقابة البرلمانية ومجلس المحاسبة، مع إعادة النظر في صلاحيات مجلس الأمة، وكيفية تعيين أعضائه. وإيجاد طرق وأدوات جديدة للتعيين في بعض الهيئات والوظائف كأخذ رأي لجنة برلمانية مختلطة بعد الاستماع للمرشح، وإيجاد آليات فعالة لمحاربة الفساد بجميع أشكاله. إن النظام المستحدث بدستور 1989 وتعديلات 1996 رغم توسيع صلاحيات الرئيس ( نظام شبه رئاسي) ولكن تعديلات 15 نوفمبر 2008 لاسيما المواد المتعلقة بتجديد العهدة مدى الحياة، وبتطبيق برنامج الرئيس من طرف الحكومة حتى في حالة وجود أغلبية برلمانية مخالفة للأغلبية الرئاسية، وبتجريد الحكومة من صلاحياتها، وبتعيين رئيس الحكومة خارج الأغلبية البرلمانية، أو الاتلاف، والتراجع عن ازدواجية السلطة التنفيذية، قد مست بالتوازنات الكبرى بين السلطات، مما يستدعي تدارك هذه السلبيات عن طريق التعديل أو وضع دستور جديد. ولكن قبل ذلك لا بد من إيجاد آليات فعالة لضمان احترام الدستور من طرف السلطات العمومية، إذ لا معنى لدستور ينتهك بسهولة وبدون عقاب. ومهما كان، فإن القضية تتعلق بالديمقراطية والحريات وليس بالنظام البرلماني أو الرئاسي. وفي هذا المجال أرى أنه لا بد أن يتضمن الدستور التوافقي القادم: 1- وضع ضمانات كافية لاحترام الحريات العامة وحقوق الإنسان والمواطن، وعدم تقييدها بالقانون إلا بالقدر الضروري لاحترام حريات الآخرين وشرفهم ولحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة في مجتمع ديمقراطي ودولة القانون. فما جدوى مواد دستورية "تضمن الحقوق" ثم تفسح المجال للمشرع بتقييدها دون مبرر منصوص عنه في المعاهدات الدولية التي صادقت عليها الجزائر، كما هو الشأن في القوانين الناجمة عن " الإصلاحات" والتي جاءت لتقيد جميع الحريات والحقوق التي ينص عليها الدستور الحالي؟ 2- النص صراحة على استقلال القاضي وعدم خضوعه إلا للقانون، ومنع المشرع من تقييد هذه الاستقلالية بنصوص قانونية تحرف هذا المبدأ وتجعل الضمانات الدستورية بدون مفعول، والتأكيد على عدم قابلية نقل القاضي إلا لأسباب تأديبية، أو عند إنشاء هيأة قضائية جديدة. وتعيين رؤساء المحاكم والمجالس لمدة معية قابلة للتجديد وعدم نقلهم خلال هذه المدة ضمانا للفعالية والاستقلالية. 3- ضمان حرية الرأي والتعبير وعدم تقييدها إلا بما هو ضروري للمحافظة على شرف واعتبار الأشخاص الطبيعية والحياة الخاصة العائلية. 4- إذا كان تحديد السياسة الأمنية من صلاحيات السلطة التنفيذية، فأصبح من الضروري تحديد مهام مصالح الأمن في الدستور، ووضع ضمانات كافية لتمارس مصالح الشرطة والدرك مهامها تحت قياداتها في إطار القانون، وليس بناء على التعليمات. وإذا كانت مهام الشرطة والدرك تتلخص في المحافظة على سلامة الأشخاص والحريات والأملاك والنظام العام كأمن للجمهورية، فإن استعمالها من طرف السّلطة لأغراض سياسية سيحوّلها لا محالة إلى جهاز قمع في خدمة النظام والمصالح الخاصة.  أما الهيئات الأمنية الخاضعة لسلطة وزارة الدفاع الوطني (باستثناء الدرك) ينبغي أن تعتني بأمن الجيش ومنشآته وعتاده وبالأمن الخارجي للدولة. وهذا ما يستدعي إعادة تنظيم مصالح الأمن وتزويدها بالإمكانيات المادية والبشرية اللازمة لمحاربة الإرهاب والتجسس والجريمة المنظمة، وكل ذلك في إطار القانون وإشراف قضاء مستقل. 5- وضع الجيش خارج اللعبة السياسية، وتزويده بالوسائل المادية والبشرية اللازمة لإنجاز مهامه الدستورية في كل الظروف، كجيش وطني جمهوري في خدمة الشعب والأمة والدولة وحماية وحدة التراب الوطني وسلامته. 6- بعد الاعتراف باللغة الأمازيغية كلغة وطنية في المادة 3 مكرر من الدستور، حان وقت الاعتراف بها كلغة رسمية، والعمل من أجل ترقيتها وتعميمها في المجالات التعليمية والإدارية والقضائية بطريقة تدريجية بجانب اللغة العربية استجابة للرغبات الشعبية. بعد 50 سنة من الاستقلال، وأمام تحديات القرن الواحد والعشريين، أرى أن تعديل الدستو، أو وضع دستور جديد، ليس مجرد عملية تقنية، يقوم بها شخص مهما كانت مسؤوليته، أو لجنة مهما كانت كفاءة أعضائها، بل هو قضية مجتمع تحتاج إلى نقاش واسع يشارك فيه الجميع، ليكون الاستفتاء عن دراية يمكّن الشعب من تحمل مسؤولياته التاريخية، كما تحملها عبر العصور، وخاصة خلال المقاومة الشعبية والحركة الوطنية والثورة التحريرية. إن الشعب عندما يثق في مؤسساته، وفي الطبقة السياسية، يصبح هو الضامن الوحيد للنظام الدستوري الذي أختاره بكل حرية ودراية. ولا يمكن لأي مسؤول أو مؤسسة أن ينتهك الدستور ما دام الشعب مستعدا لحماية احترامه وتطبيقه في كل وقت، ومهما كانت الظروف. فلنترك الخلافات الهامشية، لنكون في مستوى تحديات القرن الحالي، وفي مستوى تضحيات شعبنا عبر العصور، وشهدائنا الذين صنعوا إحدى أكبر ثورات العالم التي جعلتنا نفتخر بجزائريتنا في إطار التنوع.

Haut du formulaire

Bas du formulaire

 



مواضيع ذات صلة

التعليقات

أترك تعليقا

شكرا لك تمت إضافة تعليقك بنجاح .
تعليق