الرئيسية ثقافة أدب

توضيح واجب وأخير

حول تصريحات رشيد بوجدرة عن الأدب المصري


16 جوان 2014 | 15:19
shadow

قرأت على موقعكم موضوعًا كتبه "ياسين مراد" بعنوان: "بسبب تصريحات خاطئة لشاعر مصري/ رشيد بوجدرة يتعرّض للهجوم من قبل الكتـّاب المصريين"، جاء فيه إن ما نقلته أنا عن الروائي الجزائري ليس دقيقًا، وإن الدقيق أنه قال: "الرواية المصرية تقليدية وليست حديثة، والمصريون نبغوا في كتابة القصة القصيرة".


الكاتب : سمير درويش


والملاحظ أن الزميل الذي كتب الموضوع- فضلاً عن أنه اتهمني بالإدلاء بتصريح خاطئ-، لم يقل لنا مصدر يقينه هذا، هل هو حضر اللقاء مثلا؟ أم سأل الذين حضروا؟ أم سأل رشيد بوجدرة نفسه؟ وفي كل الحالات هذا لا يهم، فإن كان كلامه يعد تراجعًا عما قاله بوجدرة، فأهلاً وسهلاً، من الأصل أنا لم أخلط- ولا أحد من الكتاب المصريين- بين رأي شخصي لكاتب أيًّا كانت قيمته، وبين الحقائق الثابتة بوحدة الثقافة العربية التي ننتمي إليها جميعًا، فكلنا نصب في نفس المجري، ولا يعيب أحد إن كان رأيه سلبيًّا في الآخرين، أو أن يكون رأيه إيجابيًّا، ففي النهاية هو رأيه.

مع ذلك دعني أوضح لك ما حدث بالضبط.

الندوة كانت عن تكريم ماركيز (ماركث)، شارك فيها بوجدرة وأمين الزاوي، ولاحظت أن رأيهما سلبي في المجمل في الكاتب الكولومبي الأشهر، فهو من وجهة نظرهما كاتب محظوظ استفاد من بعض العوامل- غير الأدبية- التي أحيط بها، فهو ليس أفضل كاتب في الواقعية السحرية، فجونتر جراس الألماني معاصره أفضل منه، وليس أفضل كتاب كولومبيا، فضلاً عن أن أسلوبه صحفي متأثر بعمله في الصحافة، ولأن كتاباته في مجملها تتحدث عن الاستبداد فقد احتفى بها المطحونون من المتخلفين في البلاد العربية المقموعة وصنعوا مجده. وقد تحدث بوجدرة عن أن النقاد الجزائريين قالوا إنه تأثر برواية "مائة سنة من العزلة" في روايته "ألف عام من الحنين"، وبدأ في مهاجمة النقاد المغاربة- عمومًا- وقال إنهم مجموعة من الصحفيين غير المتخصصين الذين يكتبون في كل شيء: الأدب والسينما والفن التشكيلي.. الخ، وهنا قال إن في مصر (شوية) نقد وبها مجلة نقدية متحصصة، وأردف (إذا كان في مصر أدب أصلاً)، بعدها ضحك وقال إنه يتوقع أن تكون المانشيتات غدًا: "بو جدرة يقول إنه لا يوجد أدب في مصر"، ثم واصل حديثه دون أن يتحدث عن الرواية أو القصة القصيرة في مصر كما قال الزميل.

بعد انتهاء المداخلتين طلبت الكلمة، وتحدثت في كل مداخلتي عن رأيهما السلبي في ماركث، وقلت إن رأيهما مجحفًا.. إلخ، وفي النهاية نظرت إلى بوجدرة وقلت له: "أنت قلت إنه لا يوجد أدب في مصر، أرجو أن تفتح القوسين وتكتب عشرة جمل أخرى حتى نفهم ما قصدته"، فارتبك قليلاً وسألني: "من أنت؟"، فلهجتي كانت تشي أنني مصري، فعرفته بنفسي، فقال توضيحًا لما ذكره، أو تراجعًا عنه بنسبة ما: من المعروف أنه لا توجد رواية في مصر مقارنة بالرواية المغاربية أو الرواية العالمية، فالرواية المصرية محلية (يقصد بسيطة غير مطلعة على المنجز العالمي)، وقال: إنه من المعروف أن الشعر ليس في مصر، هو في بلاد الشام والعراق، والمصريون يكتبون القصة (كويس)- لم يقل "نبغوا" أبدًا-، وليخفف من وقع المأزق الذي وجد نفسه فيه، قال إنه كان بصحبة جمال الغيطاني منذ أيام.

كل ما حدث أنني- تحت وقع الصدمة- كتبت على صفحتي في "فيس بووك" ملخصًا لما دار، دون أن ألوم الرجل، أصلاً أنا حين طالبته بالتوضيح قلت إن هذا ليس دفاعًا عن الأدب المصري، الذي لا يحتاجني لأدافع عنه بالتأكيد، ولكن دفاعًا عن المنطق ذاته الذي لا يصح به أن نقول- مثلاً- لا يوجد فن تشكيلي في الجزائر، فهذا النوع من الأحكام العامة القاطعة تصدر غالبًا عن العامة الأقل وعيًا، وقلما تصدر عن مثقف حقيقي يدرك أنها لا تستقيم بهذا الشكل!

على أية حال، لم أكن أحب أن أتكلم مرة أخرى في هذا الموضوع بعد أن تضخم هكذا، لولا أن الزميل الذي كتب على صفحتكم نسب لي ما ليس صحيحًا، ولو كلف نفسه عناء السؤال لعرف أن الكاتب الجزائري يحيى بلعسكري طلب الكلمة بعدي وأيد ما قلت، وأن الكتاب الجزائريين الذين حضروا المؤتمر كانوا يودون إصدار بيان يستنكر ما قاله بوجدرة باعتباره رأيه الشخصي ولا يمثل أدباء الجزائر، وأننا نحن المصريين الذين رفضنا ذلك حتى لا تتسع الدائرة.

في النهاية، ليس عيبًا في بوجدرة أو يرى أن مصر ليس بها أدب، لكن العيب أن ننكر الحقيقة وندعي على الناس بما لم يقولوا أو يفعلوا، حتى لو كانت نوايانا سليمة.

 

__________________________________

* شاعر مصري، ورئيس تحرير مجلة "الثقافة الجديدة" الشهرية.

 



مواضيع ذات صلة

التعليقات

أترك تعليقا

شكرا لك تمت إضافة تعليقك بنجاح .
تعليق