الرئيسية ثقافة أفكار

معابر: بقلم حميد عبد القادر

واسيني والرئيس بن بلة.. الروائي كائنا عاطفيا


25 جوان 2014 | 11:49
shadow


الكاتب : stcloudhamid@yahoo.fr


يتعامل الروائي مع التاريخ معاملة عاطفية، ويخلق مع الحدث، ومع ما جرى في لحظته الآنية، أو الماضية، علاقة متميزة، يضع فيها أحاسيسه، وشعوره، وكل ذاتيته. هذا ما لمسته وأنا أقرأ رواية "أصابع لوليتا" للروائي الكبير واسيني الأعرج الذي يعرف عنه ولعه الشديد بالتاريخ، وجعله الرواية انتقالا مستمرا بين الآني والتاريخي، ما جعل جل أعماله الروائية تكتسي هذه اللذة التي قلما نجدها في الرواية الجزائرية.

عرف واسيني كيف يدخل معبد التاريخ، بلمسة الروائي، ويقرأ اللحظات الماضية قراءة فنية موغلة في التفاصيل. ولا أعتبر هذا ميزة سلبية، ولا أقول إن الروائي واسيني يزيف التاريخ، ويحور أحداثه بذاتيته، وأحاسيسه المبالغ فيها، وشعوره الظاهر والبارز بالتعاطف مع ما قد يبدو غير قابل لذلك على من تعود على كتب التاريخ الصارمة. وعليه أنصح من يقرأ روايات واسيني بأن يتحلى بشجاعة قبول تحوير الواقع، والدوس على الأفكار الجاهزة. فالبحث عن الحقيقة في الرواية يعد بمثابة ركض وراء الوهم. المهم في الرواية هو البحث عن التفاصيل.

ها قد تعاطف واسيني مع الرئيس أحمد بن بلة، في روايته "أصابع لوليتا"، وأظهره في صورة إنسان يستحق الشفقة، ولم يساير أطروحات المؤرخ، بالأخص إن كان مؤرخا رسميا، قد يقدمه في صورة مغايرة، فالذي اهتم به واسيني روائيا، ليس الحدث التاريخي في شموليته، بقدر ما اهتم بتلك التفاصيل الصغيرة التي تصور عذابات بن بلة في سجنه، وهذا ما لا يفعله المؤرخ الذي يهتم بالصيرورة العامة للحدث، دون الولوج إلى عمق المأساة وتفاصيل النفس البشرية. لهذا لم يخطئ الناقد الفلسطيني فيصل دراج، لما كتب في مؤلفه الشهير "الرواية وتأويل التاريخ"، أن الروائي العربي يقوم بتصحيح ما جاء به المؤرخ، وبذكر ما امتنع عن قوله، مؤكداً أن الكتابة الروائية هي علم التاريخ الوحيد أو هي، في أضعف الأحوال، كتابة موضوعية تسائل ما جرى من دون حذف أو إضافة على الرغم من أن الإبداع الروائي تطور في شرط مقيد يهمش الموضوعية والإبداع معاً.

وقد تتجلى انقلاب 19 جوان 1965، الذي قاده العقيد هواري بومدين، ضد الرئيس أحمد بن بلة، بشكل إبداعي. وجاءت الرواية محملة بحرقة الاستنكار، دون الوقوع في فخ العمى والكراهية التي تتخذ مواقف نضالية، رغم أن الرواية في حد ذاتها تتخذ من الشخصية المحورية (يونس مارينا)، المثقف النقدي والمناضل المتعاطف مع الرئيس بن بلة والحركة اليسارية، كشخصية مركزية. ومثل كل الروايات العربية، استطاع واسيني أن يكتب تاريخ المقموعين، أو لنقل تاريخاً مقموعاً، مثلما فعل نجيب محفوظ، وعبد الرحمن منيف، وجمال الغيطاني، وغيرهم. ومنه نجد أن واسيني يسعى لخلق قراءة أخرى ومغايرة للتاريخ، ويقدم صورة مختلفة عن الرئيس أحمد ن بلة. ومثلما جاء في كتاب فيصل دراج دائما، تذهب الرواية إلى تلك الأماكن المهملة والمهمشة، وتفتش عن الجوانب المنسية في كتابات المؤرخين المقيدة بالكثير من الشروط التي تخل بالحقيقة والموضوعية. فقد "استدعى الروائي العربي المؤرخ وطرده لأكثر من سبب. فالمؤرخ يقول قولاً سلطوياً نافعاً، ولا يتقصى الصحيح، يهمش تاريخ المستضعفين ويوغل في التهميش إلى حدود التزوير وإعدام الحقيقة". وقال واسيني نفسه: إن الروائي يشتغل على الحافات المستحيلة والضفاف التي تكاد تمحى لولا العلامات الصغيرة التي تحيلنا لحقيقة تشغل موضوع الرواية بشكل كبير". لذلك يعتقد أن التاريخ علم بآلياته واشتغالاته لكننا نتحدث عن التاريخ من حيث اعتماده على آلة السرد والنقد الذي يمنح الرواية حق التفاصيل الدقيقة التي لا تدخل مطلقا في منهجية التاريخ.



مواضيع ذات صلة

التعليقات

أترك تعليقا

شكرا لك تمت إضافة تعليقك بنجاح .
تعليق