الرئيسية التعليق الزلزال والبيروقراطية


ببساطة

م. إيوانوغان

الزلزال والبيروقراطية


  Ù…. إيوانوغان     mohammediouanoughene@yahoo.fr

مقالات سابقة للكاتب

- تغيير اللهجة لا يعالج المرض
- كيف تصبح شخصية وطنية؟
- 'كي تشبع الكرش.. الراس يحبس'

سكنات حديثة التوزيع تتصدع لأولى هزة أرضية أرضية، بينما تحتضن العاصمة بنايات تتراوح أعمارها بين قرون وعشرات السنين ومازالت تصمد للزلازل والفيضانات... والزمن.

لو بحثنا عن الأسباب التقنية لوجدنا ألف مبرر يبرئ إنجازات الحكومة وسياستها السكنية من آثار هزة بولوغين الأخيرة. وإذا أردنا تحميل الحكومة المسؤولية، لوجدنا ألف طريق يؤدي إلى ذلك أيضا. المشكلة إذن ليست تقنية ولا مجال لتوظيف مثل هذه الأحداث لمهاجمة الحكومة أو لإظهار جهودها في إغاثة المواطنين أو السهر على راحتهم...

ما أحدثته الهزة الأرضية الجديدة من خسائر على عمارات تم توزيع سكناتها بمناسبة شهر رمضان المنقضي يستوقفنا على ملاحظة واحدة، هي أن حكومتنا عندما تتأخر كثيرا في إنجاز مشروع ما وتخلف وعودها لمدة طويلة، ينتهي بها الأمر إلى الشعور بالذنب أو الشعور بان سمعتها تلطخت. ولذلك تتخذ قرارات صارمة وتحدد آجالا قياسية تسكت بها كل الانتقادات وتجعل الجميع ينبهر بقدرات هذه الحكومة التي لا تضاهيها أي حكومة في أكثر الدول تقدما.

والحقيقة نعلمها كلنا، مفادها أن قوة حكومتنا تحكن في الأموال الضخمة المتوفرة في الخزينة العمومية. لكن هناك حكومات كثيرة في العالم لها من الأموال في الخزينة أضعاف مما لدى الحكومة الجزائرية ولا تتغنى بها ولا تخرجها لتلبية مطالب كل من يخرج إلى الشارع ويغلق الطريق أو مقر البلدية أو يعتصم أمام إدارة وصية...

كيف تفعل الحكومة الجزائرية إذن لتستجيب لمطالب أكثر من 30 مليون نسمة بأمر شفهي يصدر عن مسؤول حكومي على الساخن وتتأخر في باقي الظروف عن تلبية أبسط حاجيات مواطنيها لسنوات وعقود؟ يمكن أن نجد التفسير في البيروقراطية القصوى التي تحكم نظام الحكم الجزائري.

هذه البيروقراطية ل تعد تواكب الأحداث، بل تعقدها وتزيد على كل مشكل مشكلة. بيروقراطية لا تحاول النزول إلى الواقع، بل تجر الواقع إليها. فعندما يتوفى شخص مثلا، عليه أن يحضر إلى الإدارة ليثبت وفاته وإذا ولد طفل عليه أن يحضر إلى الإدارة للتصريح بولادته... عفوا المقصود هنا ليس أن التحامل على إدارتنا، بل لرسم صورة عن مدى تشبث إدارتنا بالأوراق والأختام على حساب النشاط والإنتاج والواقع بشكل عام. لو لم يكن هذا التشبث لما طلب بنك جزائري إحضار شهادة ميلاد لمن يطلب فتح حساب لديه، ولو لم يكن هذا التشبث لما من مقاول إحضار شهادة ما لإثبات نجاعة مقاولته وهي تعلم أن المقاول باستطاعته استخراج أي شهادة دون أن يملك الكفاءة التي تعادل تلك الشهادة...

ونفس البيروقراطية القصوى التي تعطل كل شيئ وتتسبب في تأخر المشاريع وأشغال المواطنين، تتخلى عن تطبيق أبسط وأهم الشروط القانونية والمعايير المهنية بمجرد أن يأتيها أمر من السلطة العليا، وهو ما يجعل حكومتنا تتفوق على كل نظيراتها في العالم من حيث السرعة ومن حيث التكفل بمطالب مواطنيها... لكن لظرف قصير ويسقط ذلك القصر الذي أنجز على الرمل أو بركة ماء أو في الهواء دون وجود على الأرض...