الرئيسية ثقافة أفكار

معابر: بقلم حميد عبد القادر

إبداع حرب التحرير بمخيلة فرنسية


03 جويلية 2014 | 01:46
shadow


الكاتب : stcloudhamid@yahoo.fr


صدرت في باريس، هذه الأيام، رواية أخرى حول الثورة الجزائرية، تضاف إلى عشرات الروايات الفرنسية حول ذات الموضوع، والتي ما انفكت تحقق رواجا كبيرا في أوساط القراء الفرنسيين. إذ يكفي أن يكون موضوع الرواية متعلقا "بحرب الجزائر" حتى تضمن الرواية الرواج الكبير. ويتعلق الأمر هنا برواية "حظر التجوال في أكتوبر" لصاحبها الروائي "لانسلو هاملان". وهو روائي شاب تمكن من أن يلفت انتباه النقاد بفضل قدرته على تناول موضوع يعتبر شائكا في عمق الثقافة الفرنسية. وتصور الرواية انعكاسات حرب التحرير على العلاقات الاجتماعية، بالخص لدى فئة "الأقدام السوداء"، وكيف انتقلت تأثيراتها إلى فرنسا من خلال ما جرى يوم 17 اكتوبر 1961 باريس. ويتهم هاملان صراحة الشرطة الفرنسية بالتعاون مع منظمة الجيش السري الإرهابية، من أجل قتل المهاجرين الجزائريين والرمي بهم بنهر "السين".

ويتضح من خلال الأعمال الروائية الفرنسية حول الثورة، أن المخيلة الروائية حول الثورة تصنعها مخيلة فرنسية، تمنح الغلبة لإبداع روائي نحن منه غائبون، ولا نولي أي اهتمام لكتابة تاريخنا إبداعيا ورائيا. وهذه مسألة في غاية الحساسية في اعتقادي، لأن العمل الإبداعي الذي يشتغل على المخيلة هو الذي يرسخ الحدث التاريخي، ويجعله أكثر قربا من الناس، لما فيه من حساسية وقدرة على مخاطبة الشعور بدل العقل. فمهما كتبنا تاريخا للثورة، وأقصد ذلك الذي يقدمه المؤرخون، فإن عمل الروائي وتناوله لجوانب حميمة وذاتية بخصوص الثورة، هو الذي يساهم في خلق الاهتمام والفضول، ويدفع بشكل ملحوظ نحو معرفة الأحداث. وهذا الفضول والاهتمام تصنعه للأسف مخيلة فرنسية.

هكذا نجد أنفسنا في وضعية التابع والمتفرج. تابعنا كتابة التاريخ، وها نحن نتابع ونتفرج على كتابة إبداع متعلق بنا، ينجزه كتاب فرنسيون رغم أننا نحن من كان علينا أن نكون السباقين لكتابته وعدم نسيانه. بدل ذلك، تجد أدبنا منشغلا بقضايا ميتافيزيقية وفلسفية منفصلة عن الواقع ولا تربط الحاضر بالماضي. لقد خلق حالة من الانفصام المخيف الذي يرهن قدرتنا على التأثير في مسار الأحداث، ويضعنا في وضعية من لا قدرة له على إنتاج الأفكار.

هذا البعد عن الواقع، والانفصال عن المحلي، أضحى ظاهرة مرضية تلقي بالضرر على قدرة الإنسان الجزائري على إنتاج الأفكار، وتجعله في حالة استهلاك الأفكار بدل إنتاجها. فقراءة بول ريكور مثلا، دون استعمال ما تركه من أفكار بخصوص ''التاريخ والواقع''، لا ينفع في شيء. وقراءة إيميل سيوران، دون السعي للفصل بين ''التاريخ والأسطورة''، لا تجدي.

وتبقى القراءات الغربية لدى هؤلاء مجرد اجترار أفكار، وليس محاولة لإبداع فكر وإبداع جزائريين قادرين على تجنب الوقوع في فخ النظرية غير المجدية المنغلقة في سياج نظري يأبى قراءة الواقع، ويهاب من هذه الفكرة التي سماها ماركس ''البراكسيس" التي تعني جعل الفكر مرادفا للواقع، وغير منفصل عنه.

إن عدم القدرة على صياغة فكر وإبداع محليين لا يعتمدان على النظرية الغربية، بل يفكك الواقع والتاريخ معا، جعلنا في وضعية التابع. فإن كنا بحاجة للكشف عن دموية الاستعمار، علينا مثلا أن ننتظر روائيا فرنسيا مغمورا يعيش في مدينة ليون، يشتغل مدرسا للعوم الطبيعية، مثلما هو الحال مع أليكسي جيني للقيام بهذه المهمة. بينما نغرق نحن في وضعيتنا التقليدية التي جعلت منا عبر التاريخ أقواما لا تملك القدرة على الكتابة والتفكيك، وتجاوز الأسطورة، وهي المهمة التي نتركها لغيرنا.

يرفض كتابنا تناول الوضعية الاستعمارية. هذا واقع لا يمكن نكرانه. ويرجع ذلك لأسباب أخرى، منها أن بعض الروائيين الجزائريين الذين يكتبون باللغة الفرنسية متخوفون من المؤسسة الثقافية الفرنسية التي تبقى قائمة على تمجيد الاستعمار، وترفض منح حق نقد الاستعمار لأبناء المستعمرات، وتخول تلك المهمة لروائيين من أبنائها، بينما تحبذ أن ترى روائيينا يمجدون الوضعية الكولونيالية، ويكتبون عن زمن الاستعمار بحسرة ونوستالجية.



مواضيع ذات صلة

التعليقات

أترك تعليقا

شكرا لك تمت إضافة تعليقك بنجاح .
تعليق