الرئيسية ثقافة أفكار

معابر: بقلم حميد عبد القادر

لماذا وضعتُ كتابا حول فرحات عباس؟


30 ماي 2014 | 00:32:20
shadow


الكاتب : حميد عبد القادر


لماذا لمّا وضعت كتابا عن فرحات عباس، قيل لي "لماذا تلتفت لهذا الاندماجي؟" فأجبت "هنا مربط الفرس، فقد كتبت الكتاب لأقول غير ما روج حول الرجل". وبالفعل فقد قيل الكثير عن فرحات ولهذا وضعت كتابا حول فرحات عباس؟

وحاولت أطراف معادية للنخب والفكر في الجزائر أن تشوه صورته، فألصقت به جزافا تهمة الاندماج، دون التدقيق في مواقفه وقراءة كتاباته التي تبرز الرجل في صورة وطني كان يحمل الهم الجزائري.

وقصد إبراز براءة فرحات عباس من تهمة الاندماج التي لصقت به، علينا أن نعود لقراءة مؤلفاته، ونضع مقارنة بينه وبين مثقف اندماجي يدعى شريف بن حبيلس.

يعتبر شريف بن حبيلس مؤلف كتاب "الجزائر كما يراها أنديجان" نموذج المثقف الاندماجي، ويعد كتابه مرافعة من أجل الاندماج والارتباط بفرنسا بعد هضم ثقافتها والذوبان فيها. ويظهر بن حبيلس في كتابه، وبدون أدنى مواربة، احتقاره للوسط التقليدي. ويرفع في المقابل من شأن المدنية الغربية.

وكتب في الصفحات الأولى من كتابه ما يلي: "هذا الحكم عبارة عن اعترافات محتشمة صادرة عن أنديجان جزائري تربى وترعرع على المقاعد الفرنسية. يحب فرنسا كثيرا ويعود الفضل في ترقيته لوظيفته في الإدارة الفرنسية التي يعترف لها بتعليمه الحقيقة، فرفض أن يكون من طراز الرجال الجاحدين.. لهذا فهو يريد التعبير عن اعترافه ونيته في تشييد صرح المستعمرة الذي تستمر الجمهورية الثالثة في تشييده".

ويعتقد بن حبيلس أن الكولونيالية حملت معها إلى الجزائر بذور التقدم والرقي لكل الناس. ومن ذلك جاء اعتقاده الجازم بأن الاحتلال الفرنسي للجزائر حتمية، على الجزائريين أن يخضعوا له كأنه قدر.

وعلى خلاف بن حبيلس وكثير من دعاة التيار الاندماجي في فرنسا، لم يحتقر فرحات عباس الفئات الشعبية يوما. كما لم يحتقر وسطه التقليدي. وكان يعتقد وهو يطالب بالاندماج الواعي والحصول على الأحوال الشخصية وإعطاء الفئات الشعبية فرصة التخلص من بؤسها نهائيا. وذلك ما يفسر إقدامه على نشر مقالاته في جريدة الإقدام التي كان يشرف عليها الأمير خالد، والتي كانت تولي اهتماما كبيرا بقضايا مرتبطة بالفئات الشعبية، ولم تكن تتراجع أو تبدي خوفها عندما يتعلق الأمر بتوجيه النقد اللاذع للإدارة الاستعمارية.

ويأتي دفاع فرحات عباس عن قيم الإسلام انطلاقا من اعتقاده الراسخ في أن الفرد حتى وان كان داهية، يفقد قيمته إذا عاش بعيدا عن جماعته. لكل هذا أثارت أفكاره القائمة على الدعوة الصريحة للتمسك بالأصالة حفيظة مثقفي الاندماج الكامل، فاعتبروا مسألة التوفيق بين الإسلام (الأصالة) والمدنية الغربية (الحداثة)، كما كان يدعو فرحات عباس فكرة، تتعارض مع الميولات الرامية للولاء.

وبالإضافة إلى تمسكه بالوسط التقليدي، وقف فرحات عباس في "الشاب الجزائري" ضد طروحات البرجوازية المحلية الداعية إلى الاندماج، ضاربا عرض الحائط طموحات عامة الناس، فلم يتوقف عن فضح هذه الفئة فكتب: "رياح الجنون التي تهب على بورجوازيتنا المتعفنة بينما يحتضر عرقنا وسط الجهل والبؤس".

إن اندماج فرحات عباس لم يكن يعني أبدا تخصيص النخب وإغفال عامة الناس، عملا بالطرح الاستعماري الانتقائي. فعباس كان يعتقد أن امتيازات البعض ستؤدي حتما إلى بؤس البعض الأخر، وتفاقم الفوضى الاجتماعية والانقسامات الطبقية داخل النسيج الاجتماعي، وذلك ما كان يرفضه عباس بشدة.

إن فرحات عباس مثقف متصلب وعنيد في مواقفه لا يقبل النفاق والمواربة، فكان يعتقد أن الظاهرة الكولونيالية حماقة يجب أن تنتهي، الأمر الذي جعله يبتعد عن بن جلول ابتداء من سنة 1937 ويقترب شيئا فشيئا من الطروحات الوطنية الراديكالية ومن مصالي الحاج، وانتهى به الأمر إلى الالتحاق بالثورة سنة 1956 وشغل منصب أول رئيس للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية. فالمطالبة بالاندماج كانت مرحلة في حياته، انتهت مبكرا.



مواضيع ذات صلة

التعليقات

أترك تعليقا

شكرا لك تمت إضافة تعليقك بنجاح .
تعليق