الرئيسية ثقافة أفكار

هذا الأسبوع: بقلم عبد الحكيم بلبطي

الحوار جملة وتفصيلا


30 ماي 2014 | 16:00:17
shadow


الكاتب :


دلت نتائج الانتخابات الأوروبية الأخيرة على صعود عددي كبير لممثلي اليمين المتطرف في البرلمان الأوروبي. وإلى جانبهم، حقق التيار الوطني الشعبوي في عدد من الدول الأوروبية، انتصارات.

المشهد الأوروبي يهمنا بصورته الحالية، وعلى الصورة التي من الممكن أن يكون عليها، كنتيجة لصعود أفكار متعصبة للأوروبي، وللتفوق العنصري، الذي يرى في بقية الشعوب مجموعات في خدمته.

وكذلك يهمنا ما يجري في أوروبا للعبرة. كيف؟

الجميع يتابع كيف أن الأوروبيين يستخدمون الانتخابات كوسيلة للتغيير، وأيضا كأداة لتعديل على أطراف اختيار انتخابي سابق. ففي فرنسا مثلا، انتخب شعبها رئيسا لمعاقبة آخر. وبعد سنتين شدد الناخبون على رئيسهم الجديد، وقرصوا على أذنيه حين أخروا حزبه وقدموا عليه أحزابا منافسة له. ولأن الناخب لاحظ بأن الرئيس لم يقرأ الرسالة كما كان يجب، عاقبوه ثانية بعد أسابيع قليلة فقط من الانتخابات المحلية. فشدوا على أذنيه الاثنتين حتى يستمع إلى كامل الرسالة.

فكيف كان رد فعل الرئيس هولاند هذه المرة؟

اعترف بوجود مشكلة كبيرة. ولم يخف بأن رسائل الانتخابات تهدد مستقبله في قصر الإليزيه. وعلى عجل استدعى كبار مساعديه إلى اجتماع طارئ، لخصه بعدها الوزير الأول بجملة مباشرة ومفيدة. وهو أن الحكومة ستعمل سريعا على مراجعة سياسة مواجهة البطالة، وعلى تخفيض الضرائب على أجور العمال والموظفين. أي أنها ستعمل على رفع مستوى معيشة المواطن، وعلى تحسين نوعية حياته لتخليصه من كابوس شبح الفقر.

أوروبا اليوم، كمجال، أو كمجموعة دول، تكشف مجددا عن شفافة أخلاقها، وهشاشة قيمها. فهي كمجال، أو كدول أو حكومات، تستقبل بالأحضان كل أنواع الفساد المستشري في إفريقيا.. هي باسم قداسة سرية الحسابات البنكية، توفر الحماية، وتضمن استمرار حركة الانقضاض على أموال شعوب من قبل قادة محليين يستخدمون الانتخابات لإبطال مفعول التداول الديمقراطي على الحكم. وتمنحهم بطاقة الإقامة وأنواع من الحصانات، فيما يشبه التعاطف والتآزر مع المال الفاسد وحاملي هذا المال، أيا كان دين صاحب المال، أو عرقه أو جنسه.

نتابع الأخبار ونقارن. نستمع وندرك أن ما نعيشه من تجارب انتخابية لا علاقة له بالفعل الانتخابي الغربي.

ربما سيتكفل علماء اللغة بوضع مصطلح، يكون معبرا عن فعل التصويت من دون اقترانه بحرية الاختيار، ولا مع احترام حرية الاختيار. علماء لغة يضعون مصطلحا لا يلطخ سمعة فعل الانتخاب أكثر مما هو علية الآن، في بلادنا وغيرها من البلاد التي تحبي على ركبتيها، رافعة شعارات العزة بحاضر مكسور، واعتزاز بماض ورثناه حبرا على أوراق.

نحن جيل ورث تاريخا ملفوفا بمتفجرات سياسية. رقابنا ممدودة إلى أفكار بعيدة عن واقعنا. عقول تبحث في التاريخ عن التاريخ. وتستقرئ الحاضر، من خلال تجارب ممارسة التداول والتنافس بين الأفكار وبين المشاريع. نحن جيل ضيع كل حاضره في تتبع خطوات فصائل تحكم باسمه، ولا تحكم لأجله. فصائل تتحاور بلغة الرموز. إننا نرى منذ ربع قرن ذات الوجوه، تغلق أبواب الحوار جملة وتفصيلا، لتفتحه فيما بعد جملة وتفصيلا.

ما نعيشه الآن، هو فصل جديد لما بعد انتخابات فرقت وقسمت. هي بداية مرحلة أخرى في توزيع الريع على نقابيي الباترونا، وعلى باترونا النقابة، بأشكالهم المختلفة السياسية والاجتماعية والاقتصادية. هو فصل يسير في الاتجاه المعاكس، بعيدا عن الحل، ملتزما بعقارب ساعة تأجيل الحلول.

هناك إجماع على وجود مخاطر تحيط بالجزائر. لكن هناك من يستغل التهديدات الأمنية ليجعل من الحل السياسي، وكأنه مطلب ترفيهي، لا يليق الحديث عنه في هذا الوقت، وفي هذه الظروف.

هذه هي القاعدة السياسية في البلاد الجافة من الممارسة الديمقراطية. يتم استخدام نفس المبررات، ونفس الأسباب لفعل الشيء ونقيضه. فالمسؤول مطمئن لعدم تعرضه إلى مساءلة شعبية، ولا إلى عقاب شعبي عن طريق الانتخابات.

hakimbelbati@yahoo.fr



مواضيع ذات صلة

التعليقات

أترك تعليقا

شكرا لك تمت إضافة تعليقك بنجاح .
تعليق