الرئيسية ثقافة تاريخ

الجزء الأول من مذكرات اللواء المجاهد حسين بن معلم

من قالوا عميروش كان دمويا .. سامحهم الله


16 جوان 2014 | 12:43
shadow

تحدث اللواء المتقاعد حسين بن معلم في الجزء الأول من مذكراته الصادرة مؤخرا عن منشورات "القصبة"، بكثير من التفاصيل عن ظروف مهمة العقيد عميروش في الولاية الأولى، بعد أن أرسلته لجنة التنسيق والتنفيذ لحل النزعات التي غرقت فيها الولاية عقب استشهاد مصطفى بن بولعيد. وتناول بن معلم مشاركته في حرب التحرير التي التحق بها غداة اضراب الطلبة الجزائريين في ماي 1956، وهو طالب بثانوية سطيف، ليلتحق بقيادة الولاية الثالثة، ويعين ككاتب للعقيد عميروش.


الكاتب : ياسين مراد


ويكشف بن معلم، على خلاف الرأي السائد، أن كثير من قادة الولاية الأولى لم يعترضوا على قرارات مؤتمر الصومام، بل وافقوا عليها، وساعدوا عميروش في مهمته في الأوراس. كما يقف اللواء المتقاعد عند الخلافات التي نشبت بين عاجل عجول وعمر بن بولعيد شقيق الشهيد بن بولعيد. ويوضح أن عمر بن بولعيد أراد أن يحل محل شقيقه الشهيد على رأس الولاية الأولى، إلا أن عجول وقف له بالمرصاد، فتعمقت الخلافات، وظهر اكثر من مركز قرار بمنطقة الأوراس. وعن مهمة عميروش في الأوراس، كتب بن معلم :"وعلى العكس مما يكون قد قيل أو كُتب، عن جهل أو عن سوء نية، لم تحصل في أية لحظة من اللحظات كراهية أو خلاف بين عميروش ومسؤولي الأوراس، الذين رافقوه وساعدوه طيلة المهمة التي كلف بها. لم أسمع أبدا، أي مسؤول مهما كانت رتبته، يبدي ملاحظة محرجة أو يرفع صوته بحضرة عميروش. كان هذا الأخير من جهته، ذا سلوك مثالي مع مضيفيه. لقد جرى كل شيء في جو من الأخوة والاحترام المتبادل. كان الجميع مقتنعا بصدقه وبتفانيه للثورة، وكذا بعمق احترامه لتلك المنطقة. لم يكن عميروش أبدا ذا ذهنية جهوية أو متحيزة إلى ولايته. كان يعتبر نفسه في خدمة الثورة في كافة مناطق الوطن التي كان يضعها في قدم المساواة. وليس من قبيل الصدف أن أكد لي أحد مسؤولي الأوراس بأن: «سي عميروش أوراسي أكثر من الأوراسيين أنفسهم" (....) تأكيدا لهذا، أورد لكم هذه الشهادة المؤرخة في يوم 6 جانفي 1957، جاء بها مسؤولو الولاية الأولى، وهذا مقتطف منها: "من واجبنا أن نأتي للتنويه بالعمل المنجز من قبل الملازم  عميروش، في كنف صعوبات جمة، مجتنبا العوائق، مفككا الدسائس، واضعا نصب عينيه هدفا واحدا: إعادة تنظيم المناطق، وفق الخط المحدد من قبل لجنة التنسيق والتنفيذ والمجلس الوطني للثورة الجزائرية. لقد عرف كيف ينتزع إعجاب الجميع، بفضل شجاعته الهادئة ونصاعة رؤياه. نحن مقتنعون بحق، بأن الأخ عميروش كان سيسوي كافة الصعوبات التي لا تزال موجودة. كان سيكمل مهمته، بالتوجه إلى النمامشة وإلى تونس، كما كان مبرمجا، لكن، من المؤسف بأن صعوبات خارجة عن إرادته، قد أجبرته على أن يعود أدراجه، خاصة اختطاف بن بله ورفاقه، والإعلان في الإذاعة الفرنسية على وفاة العقيد ناصر في ظروف غريبة. الحمد لله أن تبين، بعد ذلك، بأن هذا الخبر الأخير كان كاذبا". تعتبر هذه الرسالة، تعبيرا عن اعترافنا بجميل الأخ عميروش وشهادة من المناطق أ وب، شهادة على الإخلاص الذي أبداه ممثلكم، الذي برهن على معرفة للوقائع والأشياء، زادته تشريفا وتقديرا".

ولم تنحصر مهمة عميروش، حسب بن معلم، في مشاكل الولاية الأولى. فقد تكفل أيضا بتشكيل مجموعات الإمداد بالأسلحة، وإرسالها إلى الولاية الثالثة. قام أيضا بزيارات إلى وحدات جيش التحرير الوطني المستقرة في الحدود. وجاء في المذكرات ما يلي:" من جملة الوضعيات التي اهتم بها جديا أثناء مقامه في تونس، وضعية الطلاب الجزائريين المجردين من الإمكانيات المالية والذين يصارعون البؤس، مقطوعين عن عائلاتهم بفعل الحرب. كانوا متروكين لحالهم. أقتنى لهم عميروش ملابس جاهزة من تاجر جزائري. كنت أوقع بنفسي على "بونات" الاقتناء . فتح لهم، في وقت لاحق، مركز للإيواء والمأكل. كان عميروش يبذل جهده دوما لتذليل الصعوبات التي تبرز في مساره أثناء أداء مهمته. بعد أن سكننا في فندق، «فندق العياشي» الواقع في حي «باب السويقة»، تحولنا إلى فيلا كائنة في حي سان هنري، في ضاحية تونس؛ لقد وضعت تحت تصرفنا من طرف جزائري، من معارف سي حواس. أقام هذا الأخير مدة زمنية في مدينة تونس. لم تلبث الفيلا أن تحولت إلى مكان لعبور ولاستقبال الطلاب وشخصيات أخرى: يايْسي عبد القادر، أحد المسؤولين من سطيف – سوف يتعرض لاحقا لاعتداء تمثل في انفجار طرد ملغم تسبب في تهشم يديه، بعث إليه من قبل مصالح المخابرات الفرنسية في ألمانيا، حيث كان موجودا في مهمة – سعيد بن غانم، مولود عينوز، شريف قلال، توفيق بوعتورة، ابراهيم بن دريس، معاشو عبد القادر. كان عميروش سخيا في الاستضافة. كان ينام شخصيا في مكان آخر".

وقد عاش عميروش وفق ما جاء في المذكرات، حادة "لابلويت" :"بآلام تلك التجربة الشنيعة المريرة. وهي دون شك، أشق تجربة عاشها طيلة مساره النضالي. لقد بذل جهودا مضنية ومعتبرة من أجل أن يجعل من ولايته نموذجا، ثم جاءت تلك المناورة الجهنمية لتوجه إليه ضربة شديدة".

ويعتقد بن معلم، أن عميروش لم يفر من تحمل مسؤولياته؛ عكس ذلك هو الصحيح، فقد كان مستعدا لتحملها كاملة. لقد أطلع الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية على الوضعية، وصل به الأمر إلى حد أن طلب تشكيل لجنة تحقيق؛ وكرد وحيد، تلقى برقية شكر، وهو الأمر الذي أغضبه كثيرا. ففي زمن استعداده للتوجه إلى تونس، عُقدت دورة استثنائية لمجلس الولاية الثالثة يوم 2 مارس 1959، تحت رئاسته. تم تحرير شكاوى تقدم للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية؛ من بينها وجدت شكوى تتعلق بمكيدة "التشكيك الأزرق" (لابلويت).

وجاء في الشكوى ما يلي :"نطالب بدخول مستعجل للجنة تحقيق. لقد تلقت الولاية الثالثة أثناء اكتشاف المكيدة «الزرقاء»، برقية شكر. نحتج ضد هذا الأسلوب. سنكون معتزين لو تلقينا تهاني بعد التحقيق وتحرير التقرير، من قبل لجنة تحقيق مرسلة من الخارج أو مشكلة من إطارات أجنبية عن ولايتنا. نذكر بأن الولاية قد قامت بعد اكتشاف المكيدة، بإطلاع الحكومة وطلب المساعدة. لم يقدم لها شيء سوى برقية شكر. لقد طلبت الولاية بعد تصفية المكيدة، إيفاد لجنة تحقيق، عاجلا. لم تجد الحكومة فائدة في إيفاد لجنة تحقيق. نحن نندد بتلك الثقة المبالغ فيها، التي قد تلحق بنا أضرارا كبيرة. وبالفعل، فلو تسببت تصفية حسابات في إدماء الولاية الثالثة أو أية ولاية أخرى، تحت غطاء «المكيدة»، فسيكون مثيرا، وهو أقل ما يمكن أن يقال، أن تختم تلك التصفية ببرقية شكر. تأويل رد فعل كهذا، ليس من شأنه سوى أن يوصف بالمناورة المبتذلة، الرامية إلى «التحكم» في شخص أو في لجنة، ومحاولة تحويله إلى أداة طيعة. نحن نريد، احتراما للتنظيم ولروح الثورة، أن تستبعد بكل صرامة مثل تلك المناورات الرامية إلى إدخال أساليب للمساومة وشراء الذمم".

وبخصوص شخصية العقيد عميروش، كتب بن معلم :" تمكنت من حسن التعرف عليه عن قرب. المؤكد، هو أن الرجل كان ذا تشدد وقسوة، لكن تجاه نفسه أولا. كان رجلا عادلا، طيبا، إنسانيا، يحب ويحترم إخوانه في السلاح، وأب عائلة حنون. شاهدته مرات عديدة، ينزع ألبسة أو أحذية ليسلمها إلى جنود كانوا محرومين منها. غير أنه لم يكن يتسامح عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن الثورة. فالذين يدعون بأنه كان دمويا، سامحهم الله. لقد كان ذلك محض افتراء".

وبخصوص علاقة عميروش بالمثقفين، كتب اللواء بن معلم :"بهتان آخر، لا أساس له من الصحة، تمثل في تقديم صورة لعميروش يكون فيها عدوا للمثقفين. عكس ذلك هو الصحيح، لقد كان الصديق الكبير للأشخاص المتعلمين، وكان يحترمهم، ويحث الناس على التعلم. وذكر بن معلم أن، مكيدة "التشكيك الأزرق" لم يستهدف المثقفين وحدهم، حتى وإن استهدفتهم المصالح الفرنسية في المقام الأول. وأوضح :"عند تسلم عميروش قيادة الولاية، أثناء مرحلة إعادة التنظيم، عين في مناصب المسؤولية كافة المحاربين المتعلمين؛ مع العلم أن ذلك أثار غيرة لدى بعض الإطارات الأكثر أقدمية لكن غير متعلمة. لقد أنشأ في عز الحرب مدارس في القرى، وبُعث بالعديد من الشباب للتعلم في الخارج. أثناء مقامنا بتونس، فقد اهتم بالطلبة. كانت يومياتهم مأساوية، فأسكنهم، وأطعمهم وألبسهم. كان مُحاطا هناك بمثقفين يأتون للالتحاق بالثورة – لقد سبق أن ذكرت أسماءهم – شجعهم بل وساعدهم ماديا. في الأوراس، قام بتعيين حيحي مكي، أحد المدرسيين الذي التحق حديثا بصفوف جيش التحرير الوطني، كعضو في قيادة المنطقة، مقدما إياه على بعض النفمبريين. تكوين الإطارات وتحضيرها للجزائر المستقلة، كانت واحدة من انشغالاته الأساسية."

 وعن ذكرى العقيد عميروش، ومحاولات طمس صورته خلال السنوات الأخيرة، جاء في المذكرات :"من واجبنا، نحن الباقين على قيد الحياة، بعد حرب التحرير، وكذا الجيل الحالي، أن نتطرق ونتحدث عن موتانا باحترام وتقدير؛ هم بضعٌ من تراثنا الوطني، بمحاسنهم وعيوبهم؛ لأنهم يظلون في نظر الجميع، أمثلة للتضحية وللوفاء، طوال المضمار الذي سلكته الجزائر الحرة،".

 



مواضيع ذات صلة

التعليقات

أترك تعليقا

شكرا لك تمت إضافة تعليقك بنجاح .
تعليق