رائØØ© البوكر
بقلم سعيد خطيبي
الكاتب : روائي
رغم مرور خمس سنوات على تأسيسها، ما تزال الجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر) تبØØ« عن إجماع بين أوساط النقاد من جهة، وعامة القراء من جهة أخرى. أسئلة كثيرة تدور عن مدى نزاهتها وثابت منطقها، Ùلم ÙŠØدث أن عرÙت واØدة من الروايات الÙائزة بها تقبلاً عربياً شاملاً. Øالة الارتياب التي تل٠الجائزة العربية الأهم ÙÙŠ مجال الرواية Øركت أسئلة جديدة، مباشرة بعد الإعلان عن قائمتها القصيرة، مطلع الشهر الماضي بالعاصمة تونس.
"Ø±ÙŠØ§Ø Ø§Ù„Ø±Ø¨ÙŠØ¹ العربي لم تمر على البوكر" عَلَّقَ صØاÙÙŠ. كثيرون تÙاجأوا بقائمة الروايات المرشØØ©ØŒ وتساءل البعض الآخر عن المعايير التي لجأت إليها لجنة التØكيم ÙÙŠ تقييم الروايات المقدمة إليها، والتي يرأسها بروÙيسور الاقتصاد المصري جلال أمين، هذا الأخير أثار تعيينه ÙÙŠ المنصب Ù†Ùسه ØÙيظة كتاب ونقاد عرب. وأشار Ø£Øد الكتاب إلى أن تضمين القائمة النهائية من الجائزة أسماء شبابية، لا يعبر عن طلائعية بقدر ما يكش٠عن تورط ذائقة لجنة التØكيم ÙÙŠ الراهن السياسي، باعتبارها لجنة تقوم أكثر على الانطباعية، وليس على لغة النقد، وجلال أمين ما يزال Ù…ØÙ„ شكوك الطبقة الأدبية العربية، خصوصاً بعد موقÙÙ‡ الراÙض لتدريس رواية "الخبز الØاÙÙŠ" لمØمد شكري ÙÙŠ الجامعة الأمريكية بالقاهرة، سنوات التسعينيات. ÙالمÙكر المصري المعرو٠لم يتوق٠يوماً عن النظر إلى الأدب ÙˆÙÙ‚ رؤية سياسية. ويراÙقه ÙÙŠ عضوية لجنة التØكيم، كل من الأكاديمي اللبناني صبØÙŠ البستاني، الرسام الكاريكاتوري السوري علي Ùرزات، المستعربة البولندية بربارا ميخالك - بيكولسكا، والناقدة الجزائرية زاهية إسماعيل الصالØÙŠ.
الجدل الذي يراÙÙ‚ البوكر العربية اليوم ليس سوى Øلقة جديدة من جدل واسع، برز منذ طبعتها الأولى.
تأسيس صعب
"الدورة الاÙتتاØية للجائزة العالمية للرواية العربية كانت تشبه أكثر ما تشبه تجربة الإنجاب. المخاض كان صعباً، والولادة مضنية" صرØت المنسقة العامة السابقة للجائزة جمانة Øداد عام 2008. لكن، بعد الولادة المضنية، التي انتظرت أشهراً طويلة، ظهر الجنين غير مكتمل النمو، غير قادر على أن يكبر بشكل طبيعي، وتوجب الأمر إخضاعه لعمليات تأهيل مكثÙØ©ØŒ ومتابعة أدبية إكلينيكية لبلوغ سن الÙطام. الملاØظة الأهم التي راÙقت نشأة الجائزة هي "معايير التØكيم". على أية قاعدة تختار روايات القائمة الطويلة، ثم روايات القائمة القصيرة؟
ÙÙŠ جائزة الغونكور الÙرنسية مثلاً، التكهنات والترشيØات غير الرسمية تنطلق شهراً تقريباً قبل الإعلان عن القائمة الطويلة. المجلات والمواقع المتخصصة لا تختل٠Ùيما بينها عن معايير لجنة الأكاديمية، وغالباً ما نلاØظ إجماعاً على النصوص المتوجة. تاريخ Ùرنسا المعاصر، إعادة كتابة Ù…Øطات الوجع القومي القريب، الدÙاع عن الأقليات، مقاربة الراهن أدبيا، والابتعاد عن المØاكمات الدينية والأخلاقية، هي عوامل تلعب Ù„ØµØ§Ù„Ø Ø§Ù„Ø±ÙˆØ§ÙŠØ§Øª التي تريد دخول السباق من أجل الجائزة الأدبية الÙرنسية الأهم.
"Ù†ØÙ† النقاد صيارÙØ© الرواية، نملك أكثر من معيار تØدده تجاربنا وثقاÙتنا" يقول جورج طرابيشي، رئيس لجنة لتØكيم الجائزة السنة الماضية. تعدد معيار التØكيم من شأنه الإخلال بالنظام الداخلي للجائزة، التي يرى البعض أنها تخضع لأذواق المÙØَكّÙمين، وليس لمنطق ثابت، ÙÙŠ معالجة النص الروائي وتØليل سياقاته.
"Ø£ÙشَبّÙÙ‡ عملنا بضي٠المطعم، أمامه لائØØ© ÙÙŠ أصنا٠مØددة من الطعام بإمكانه أن يختار من بينها. وهذا كان الوضع ÙÙŠ لجاننا: قدمت لنا روايات، وكان علينا اختيار Ø£Ùضلها" يضي٠طرابيشي، دونما أن يقدم تعريÙاً لكلمة "الأÙضل".
بمقارنة البوكر العربية، مع الجائزة البريطانية "الأم"ØŒ سنلاØظ عشوائية ÙÙŠ طبيعة اختيار أعضاء لجنة التØكيم. ÙÙŠ لندن، لجنة التØكيم تتشكل سنوياً من: كاتب، ناشرين أدبيين اثنين، وكيل أعمال أدبية، مكتبي، بائع كتب، تØت مظلة رئيس للجنة. تشكيلة ÙسيÙسائية تجمع مختل٠العناصر التي تصنع مشهداً أدبياً ÙÙŠ بلد ما.
Ùيما يخص لجنة البوكر العربية، Ùإن "مجلس الأمناء يقوم سنوياً بتعيين لجنة تØكيم تتأل٠من خمسة أشخاص، وهم نقّاد وروائيون وأكاديميون من العالم العربي وخارجه". تØصر الجائزة لجنة التØكيم Ù†Ùسها إذاً ÙÙŠ ثلاث Ùئات Ù…Øددة، ثم تتخطى خياراتها، باختيار Ù…Ùكر اقتصادي لرئاسة اللجنة وإضاÙØ© رسام كاريكاتير هو الÙنان علي Ùرزات مثلاً ÙÙŠ طبعة السنة الØالية، كما أن وجود مستعرب بين أعضاء اللجنة يبدو وجوداً تسويقياً ليس أكثر، لأن الغريب على اللغة لن يستطيع القراءة بالكÙاءة التي يتطلبها العدد الضخم من الروايات المعروضة أمام اللجنة، مع خلوها، ÙÙŠ الوقت Ù†Ùسه، من روائي واØد. لجنة 2009 أيضاً جاءت خالية من الروائيين. Ùهل تتØايل أمانة الجائزة على Ù†Ùسها وعلى قوانينها الداخلية أم على القارئ والمتابع للجائزة؟ ÙˆÙÙŠ دورة 2010ØŒ انسØبت الناقدة المصرية شيرين أبو النجا من لجنة التØكيم، وعللت: "استقالتي من اللجنة جاءت نتيجة شعوري بالخيبة، لأنها لم تعتمد معايير نقدية واضØØ© ÙÙŠ مراØÙ„ عملها الأخيرة". خيار شيرين أبو النجا ودÙاعها عن استقلاليتها أثار غضب أمانة الجائزة، التي ØØ°Ùت اسم الناقدة المصرية من أرشيÙها، ومن على موقعها الإليكتروني الرسمي على الإنترنيت، مكتÙية بالإشارة إلى أسماء المØكّÙمين الأربعة Ùقط. Ùكانت الدورة الثالثة من البوكر العربية هي دورة (5-1)ØŒ ودورة توسع Øلقة الشكوك عن موضوعيتها.
شهرة ومال
تنبع أهمية البوكر العربية من قيمتها المادية. Ùعلى خلا٠جائزة نجيب Ù…ØÙوظ الأدبية، أو الجوائز المØلية ÙÙŠ الرواية، ÙÙŠ تونس ولبنان، Ùإن البوكر ولدت كبيرة ÙˆÙÙŠ صØØ© مادية جيدة. كما أن القائمين عليها يمتلكون من الإمكانيات ما تÙتقده جوائز أدبية عالمية. إذا كانت "الغونكور" الÙرنسية لا تتجاوز قيمتها العشر دولارات، Ùإن البوكر العربية ØªÙ…Ù†Ø Ø§Ù„Ø±ÙˆØ§ÙŠØ© الÙائزة بها شيكاً بقيمة 50.000 دولار، أما من يدخل القائمة القصيرة ÙسيستÙيد من 10.000 دولار. وصرØت Ø¥Øدى الروائيات العربيات، التي سبق لها أن دخلت ترشيØات الجائزة قائلة: "أهم ما Ùيها قيمتها المادية". جائزة البوليتزر الأمريكية العريقة، والتي سبق أن توجت روائيين عالميين، أمثال آرنست هيمنغواي، توني موريسون، Ùيليب روث وغيرهم، لا تتعدى قيمتها المادية سق٠الخمسة آلا٠دولار(أي عشر البوكر العربية). أما ÙÙŠ روسيا، التي تتمتع بتقاليد أدبية جد عريقة، تعود إلى قرنين ماضيين، Ùإن المرشØين ÙÙŠ القائمة القصيرة من البوكر الروسية يكتÙون بألÙÙŠ دولار، والÙائز له عشرون أل٠دولار(أقل من نص٠نظيرتها العربية). ÙˆÙÙŠ القارة السمراء، Ùإن جائزة "يامبو أولوغام" الشهيرة للأدب لا تتعدى الثمانية آلا٠دولار.
تقاليد غائبة
ميزانية الجائزة العالية لا تتماشى مع Øضورها الجهوي والدولي، بسبب اÙتقادها ربما لبعض الأعرا٠الأدبية المهمة. غالباً ما ترتبط جوائز الكتاب ÙÙŠ الغرب، بل أيضاً ÙÙŠ بعض الدول النامية بØدث سنوي: هو الدخول الأدبي. الجوائز عامة ليست تهد٠سوى إلى إثارة انتباه القارئ إلى صن٠معين من الكتب، الترويج لها ورÙع نسبة الإقبال عليها. والبوكر العربية أيضاً "تهد٠إلى مكاÙأة التميّز ÙÙŠ الأدب العربي المعاصر، ورÙع مستوى الإقبال على قراءة هذا الأدب". الدخول الأدبي يتزامن، ÙÙŠ عديد الدول، مع الدخول الاجتماعي، شهرَيْ سبتمبر وأكتوبر، ÙÙÙŠ تلك الÙترة تعر٠المكتبات انتعاشاً يغطي ركود أشهر الصي٠الثلاثة. ولكن البوكر العربية اختارت لنÙسها توجهاً آخر، Øيث تقرع طبولها شهري نوÙمبر وديسمبر، وتختتم موسمها شهر مارس، على هامش معرض أبوظبي الدولي للكتاب. وبØسب كثير من المتتبعين، Ùإن كرونولوجيا الجائزة، وأجندتها السنوية لا تخدم تماماً سوق الرواية العربية، ولا توÙر لها الانتشار المرجو منها.
بما أن الجائزة، تØمل صبغة جهوية، ليس Ùقط قومية، كان من المستØب لدى القارئ أن تراعي اختلاÙات الدول العربية، وتعدد نظرة جماهير القراء لسوق الكتاب، بغية الترويج للروايات الÙائزة بشكل Ø£Ùضل. Ùالقراء ÙÙŠ شمالي Ø¥Ùريقيا مثلاً، غالباً ما ينتظرون سنة كاملة، قبل Øلول موسم معارض الكتاب، والØصول على الرواية الÙائزة بالجائزة السنة التي مضت.
لا يختل٠اثنان ÙÙŠ التأكيد على أن الجائزة العالمية للرواية العربية قد Øركت نسبياً المشهد الروائي العربي، وبثت Ùيه دينامية جديدة، ولكن، يقرّ بعض الكتاب أن الجائزة Ù†Ùسها خلقت انشقاقات داخلية، وهي مطالبة بإعادة النظر ÙÙŠ بعض أجزاء ميكانيزم عملها لتبلغ الأهدا٠المنتظرة منه