الرئيسية ثقافة أفكار

رائحة البوكر

بقلم سعيد خطيبي


07 جوان 2014 | 14:23
shadow


الكاتب : روائي


رغم مرور خمس سنوات على تأسيسها، ما تزال الجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر) تبحث عن إجماع بين أوساط النقاد من جهة، وعامة القراء من جهة أخرى. أسئلة كثيرة تدور عن مدى نزاهتها وثابت منطقها، فلم يحدث أن عرفت واحدة من الروايات الفائزة بها تقبلاً عربياً شاملاً. حالة الارتياب التي تلف الجائزة العربية الأهم في مجال الرواية حركت أسئلة جديدة، مباشرة بعد الإعلان عن قائمتها القصيرة، مطلع الشهر الماضي بالعاصمة تونس.

"رياح الربيع العربي لم تمر على البوكر" عَلَّقَ صحافي. كثيرون تفاجأوا بقائمة الروايات المرشحة، وتساءل البعض الآخر عن المعايير التي لجأت إليها لجنة التحكيم في تقييم الروايات المقدمة إليها، والتي يرأسها بروفيسور الاقتصاد المصري جلال أمين، هذا الأخير أثار تعيينه في المنصب نفسه حفيظة كتاب ونقاد عرب. وأشار أحد الكتاب إلى أن تضمين القائمة النهائية من الجائزة أسماء شبابية، لا يعبر عن طلائعية بقدر ما يكشف عن تورط ذائقة لجنة التحكيم في الراهن السياسي، باعتبارها لجنة تقوم أكثر على الانطباعية، وليس على لغة النقد، وجلال أمين ما يزال محل شكوك الطبقة الأدبية العربية، خصوصاً بعد موقفه الرافض لتدريس رواية "الخبز الحافي" لمحمد شكري في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، سنوات التسعينيات. فالمفكر المصري المعروف لم يتوقف يوماً عن النظر إلى الأدب وفق رؤية سياسية. ويرافقه في عضوية لجنة التحكيم، كل من الأكاديمي اللبناني صبحي البستاني، الرسام الكاريكاتوري السوري علي فرزات، المستعربة البولندية بربارا ميخالك - بيكولسكا، والناقدة الجزائرية زاهية إسماعيل الصالحي.

الجدل الذي يرافق البوكر العربية اليوم ليس سوى حلقة جديدة من جدل واسع، برز منذ طبعتها الأولى.

تأسيس صعب

"الدورة الافتتاحية للجائزة العالمية للرواية العربية كانت تشبه أكثر ما تشبه تجربة الإنجاب. المخاض كان صعباً، والولادة مضنية" صرحت المنسقة العامة السابقة للجائزة جمانة حداد عام 2008. لكن، بعد الولادة المضنية، التي انتظرت أشهراً طويلة، ظهر الجنين غير مكتمل النمو، غير قادر على أن يكبر بشكل طبيعي، وتوجب الأمر إخضاعه لعمليات تأهيل مكثفة، ومتابعة أدبية إكلينيكية لبلوغ سن الفطام. الملاحظة الأهم التي رافقت نشأة الجائزة هي "معايير التحكيم". على أية قاعدة تختار روايات القائمة الطويلة، ثم روايات القائمة القصيرة؟

في جائزة الغونكور الفرنسية مثلاً، التكهنات والترشيحات غير الرسمية تنطلق شهراً تقريباً قبل الإعلان عن القائمة الطويلة. المجلات والمواقع المتخصصة لا تختلف فيما بينها عن معايير لجنة الأكاديمية، وغالباً ما نلاحظ إجماعاً على النصوص المتوجة. تاريخ فرنسا المعاصر، إعادة كتابة محطات الوجع القومي القريب، الدفاع عن الأقليات، مقاربة الراهن أدبيا، والابتعاد عن المحاكمات الدينية والأخلاقية، هي عوامل تلعب لصالح الروايات التي تريد دخول السباق من أجل الجائزة الأدبية الفرنسية الأهم.

"نحن النقاد صيارفة الرواية، نملك أكثر من معيار تحدده تجاربنا وثقافتنا" يقول جورج طرابيشي، رئيس لجنة لتحكيم الجائزة السنة الماضية. تعدد معيار التحكيم من شأنه الإخلال بالنظام الداخلي للجائزة، التي يرى البعض أنها تخضع لأذواق المُحَكِّمين، وليس لمنطق ثابت، في معالجة النص الروائي وتحليل سياقاته.

"أُشَبِّه عملنا بضيف المطعم، أمامه لائحة في أصناف محددة من الطعام بإمكانه أن يختار من بينها. وهذا كان الوضع في لجاننا: قدمت لنا روايات، وكان علينا اختيار أفضلها" يضيف طرابيشي، دونما أن يقدم تعريفاً لكلمة "الأفضل".

بمقارنة البوكر العربية، مع الجائزة البريطانية "الأم"، سنلاحظ عشوائية في طبيعة اختيار أعضاء لجنة التحكيم. في لندن، لجنة التحكيم تتشكل سنوياً من: كاتب، ناشرين أدبيين اثنين، وكيل أعمال أدبية، مكتبي، بائع كتب، تحت مظلة رئيس للجنة. تشكيلة فسيفسائية تجمع مختلف العناصر التي تصنع مشهداً أدبياً في بلد ما.

فيما يخص لجنة البوكر العربية، فإن "مجلس الأمناء يقوم سنوياً بتعيين لجنة تحكيم تتألف من خمسة أشخاص، وهم نقّاد وروائيون وأكاديميون من العالم العربي وخارجه". تحصر الجائزة لجنة التحكيم نفسها إذاً في ثلاث فئات محددة، ثم تتخطى خياراتها، باختيار مفكر اقتصادي لرئاسة اللجنة وإضافة رسام كاريكاتير هو الفنان علي فرزات مثلاً في طبعة السنة الحالية، كما أن وجود مستعرب بين أعضاء اللجنة يبدو وجوداً تسويقياً ليس أكثر، لأن الغريب على اللغة لن يستطيع القراءة بالكفاءة التي يتطلبها العدد الضخم من الروايات المعروضة أمام اللجنة، مع خلوها، في الوقت نفسه، من روائي واحد. لجنة 2009 أيضاً جاءت خالية من الروائيين. فهل تتحايل أمانة الجائزة على نفسها وعلى قوانينها الداخلية أم على القارئ والمتابع للجائزة؟ وفي دورة 2010، انسحبت الناقدة المصرية شيرين أبو النجا من لجنة التحكيم، وعللت: "استقالتي من اللجنة جاءت نتيجة شعوري بالخيبة، لأنها لم تعتمد معايير نقدية واضحة في مراحل عملها الأخيرة". خيار شيرين أبو النجا ودفاعها عن استقلاليتها أثار غضب أمانة الجائزة، التي حذفت اسم الناقدة المصرية من أرشيفها، ومن على موقعها الإليكتروني الرسمي على الإنترنيت، مكتفية بالإشارة إلى أسماء المحكِّمين الأربعة فقط. فكانت الدورة الثالثة من البوكر العربية هي دورة (5-1)، ودورة توسع حلقة الشكوك عن موضوعيتها.

شهرة ومال

تنبع أهمية البوكر العربية من قيمتها المادية. فعلى خلاف جائزة نجيب محفوظ الأدبية، أو الجوائز المحلية في الرواية، في تونس ولبنان، فإن البوكر ولدت كبيرة وفي صحة مادية جيدة. كما أن القائمين عليها يمتلكون من الإمكانيات ما تفتقده جوائز أدبية عالمية. إذا كانت "الغونكور" الفرنسية لا تتجاوز قيمتها العشر دولارات، فإن البوكر العربية تمنح الرواية الفائزة بها شيكاً بقيمة 50.000 دولار، أما من يدخل القائمة القصيرة فسيستفيد من 10.000 دولار. وصرحت إحدى الروائيات العربيات، التي سبق لها أن دخلت ترشيحات الجائزة قائلة: "أهم ما فيها قيمتها المادية". جائزة البوليتزر الأمريكية العريقة، والتي سبق أن توجت روائيين عالميين، أمثال آرنست هيمنغواي، توني موريسون، فيليب روث وغيرهم، لا تتعدى قيمتها المادية سقف الخمسة آلاف دولار(أي عشر البوكر العربية). أما في روسيا، التي تتمتع بتقاليد أدبية جد عريقة، تعود إلى قرنين ماضيين، فإن المرشحين في القائمة القصيرة من البوكر الروسية يكتفون بألفي دولار، والفائز له عشرون ألف دولار(أقل من نصف نظيرتها العربية). وفي القارة السمراء، فإن جائزة "يامبو أولوغام" الشهيرة للأدب لا تتعدى الثمانية آلاف دولار.

تقاليد غائبة

ميزانية الجائزة العالية لا تتماشى مع حضورها الجهوي والدولي، بسبب افتقادها ربما لبعض الأعراف الأدبية المهمة. غالباً ما ترتبط جوائز الكتاب في الغرب، بل أيضاً في بعض الدول النامية بحدث سنوي: هو الدخول الأدبي. الجوائز عامة ليست تهدف سوى إلى إثارة انتباه القارئ إلى صنف معين من الكتب، الترويج لها ورفع نسبة الإقبال عليها. والبوكر العربية أيضاً "تهدف إلى مكافأة التميّز في الأدب العربي المعاصر، ورفع مستوى الإقبال على قراءة هذا الأدب". الدخول الأدبي يتزامن، في عديد الدول، مع الدخول الاجتماعي، شهرَيْ سبتمبر وأكتوبر، ففي تلك الفترة تعرف المكتبات انتعاشاً يغطي ركود أشهر الصيف الثلاثة. ولكن البوكر العربية اختارت لنفسها توجهاً آخر، حيث تقرع طبولها شهري نوفمبر وديسمبر، وتختتم موسمها شهر مارس، على هامش معرض أبوظبي الدولي للكتاب. وبحسب كثير من المتتبعين، فإن كرونولوجيا الجائزة، وأجندتها السنوية لا تخدم تماماً سوق الرواية العربية، ولا توفر لها الانتشار المرجو منها.

بما أن الجائزة، تحمل صبغة جهوية، ليس فقط قومية، كان من المستحب لدى القارئ أن تراعي اختلافات الدول العربية، وتعدد نظرة جماهير القراء لسوق الكتاب، بغية الترويج للروايات الفائزة بشكل أفضل. فالقراء في شمالي إفريقيا مثلاً، غالباً ما ينتظرون سنة كاملة، قبل حلول موسم معارض الكتاب، والحصول على الرواية الفائزة بالجائزة السنة التي مضت.

لا يختلف اثنان في التأكيد على أن الجائزة العالمية للرواية العربية قد حركت نسبياً المشهد الروائي العربي، وبثت فيه دينامية جديدة، ولكن، يقرّ بعض الكتاب أن الجائزة نفسها خلقت انشقاقات داخلية، وهي مطالبة بإعادة النظر في بعض أجزاء ميكانيزم عملها لتبلغ الأهداف المنتظرة منه



مواضيع ذات صلة

التعليقات

أترك تعليقا

شكرا لك تمت إضافة تعليقك بنجاح .
تعليق