الرئيسية التعليق ديمقراطية التعددية... والديمقراطية العددية


فصل الكلام

علي جري

ديمقراطية التعددية... والديمقراطية العددية


  علي جري     adjerri@hotmail.com

مقالات سابقة للكاتب

- ' زمار الحي لا يطرب '
- التقسيم الإداري وتوزيع الثروة
- الشخصية الوطنية .....لا تعين بمرسوم

السلطة وجهت الدعوة للأحزاب السياسية المعارضة والموالية، ولجمعيات وشخصيات وطنية وجامعيين للمشاركة في مشاورات إثراء مسودة الدستور المقترحة، هناك من لبى الدعوة، وهناك من رفض ولكل مبرراته، وهذه السياسة بكل أبعادها الديمقراطية، السلطة تقترح والمعارضة تضغط للحصول على تنازلات أكثر... إلى هنا يمكن أن نقول إن الجزائر تعيش ديمقراطية بالمعايير العالمية. لكن هل هي الحقيقة ؟ أم أن الحقيقة غيبت في شكل إجرائي أرادت من خلاله السلطة توسيع قائمة الحيثيات لإضفاء شرعية أكثر بغرض تمرير المشروع بالمحتوى الذي تريده ؟ مادامت هي التي اقترحت التعديلات، وتشرف على المشاورات وهي التي ستتكفل بتحرير الوثيقة النهائية أي كما يقول المثل "حميدة اللعاب وحميدة الرشام"... هذه واحدة.

الثانية... أن السلطة من خلال طريقة الاتصال الموجهة التي انتهجتها فيما يتعلق بتطورات المشاورات حول المباركين والمشاركين والمقاطعين للعملية تؤكد أن رهانها يكمن في الكم وليس في الكيف، وأن ما يهمها هو الشكل وليس المضمون، مرة أخرى تحت غطاء الديمقراطية، لكن في حقيقة الأمر هي ديمقراطية عددية وليست ديمقراطية تعددية تعكس حقيقة المجتمع بكل أطيافه وتوجهاته.

أما الثالثة فهي لا تتعلق بالفشل الذريع للسلطة في إقناع المعارضة بالمشاركة في المشاورات فحسب، لكن أيضا في المعارضة التي لم تفلح في الحصول على تنازلات من قبل السلطة، أي أن الحوار وصل إلى طريق مسدود وستكون عواقبه وخيمة على مضمون الدستور القادم الذي سيعدل مرة أخرى في أول مناسبة، لتستمر بذلك المنظومة التشريعية والقانونية في الجزائر في حالة اللااستقرار إلى إشعار لاحق، وهو الأمر الذي سيزيد الوضع تعقيدا ليس على الصعيد الداخلي فحسب لكن أيضا في علاقة الجزائر مع البلدان الأخرى التي طالما عبرت في مناسبات كثيرة بطرق مختلفة عن قلقها وتخوفها بشأن عدم استقرار المنظومة القانونية في الجزائر، ويظهر هذا جليا من خلال التردد الذي طبع خطواتها في الاستثمار الحقيقي الدائم والمنتج للثروة.

اليوم على السلطة من باب المصلحة العليا للوطن التي طالما تغنت بها أن تدرك أن الاستقرار لا يعني فقط الشق الأمني والاجتماعي فحسب لكن الاستقرار يبدأ بالمنظومة القانونية الضامنة لكل الحقوق والواجبات، ومن واجباتها الوطنية أن تفتح حوارا حقيقيا مع أحزاب المعارضة، لأن سياسة الهروب إلى الأمام وصلت إلى نهايتها. فهل تحتاج السلطة والمعارضة في الجزائر إلى وساطة حتى تدرك أن الرهانات خطيرة ؟