عرض لأبعاد السؤال
هكذا تكلّم مالك Øداد..ما معنى الكتابة بلغة الآخر؟
تباينت مواق٠الكـــــــتاب الجزائريين Øول "اللغة الÙرنسية" التي كــــــتبوا بها ســـــــردياتهم وأشعارهم، وقد أبانت عن مركزية اللغة كإشكال يتجاوز بعده التعبيري إلى بعد أكثر اتصالا بكينونة إنسان ومجتمع وثقاÙØ©ØŒ بتعبير آخر، كان الكتاب الجزائريون الذين كتبوا بلغة المستعمÙر يؤسسون Ù„Ùكرة أنّ "اللغة" قبل أن تكون وسيطا تعبـــــــيريا، Ùهي عتبة الولوج إلى "الهوية" الجمعية، والإØساس بها، وبتأزماتها.
الكاتب : لونيـــــــــس بن علــــــ
Â
بقلم: لونيـــــــــس بن علــــــــــــــي/ أستاذ النقـــــد الأدبــــــــــي والأدب المقارن بجامعة بجــــــــــــــاية
Â
لم يكت٠الاستعمار باØتلال الأراضي ونهب خيراتها، بل امتدّ إلى نهب الممتلكات الرمزية للشعوب المستعمَرة، من خلال تدمير بنياتهم الرمزية ممثلة ÙÙŠ اللغة والثقاÙØ© والعادات والتقاليد والقيم التي هي أساس هوية هذه الشعوب، كما تعرّضت لغة المستعمرات لأشكال من الاضطهاد والتشويه والتدمير، تجلّت ÙÙŠ إعطاء دور للنظام التعليمي الكولونيالي ÙÙŠ Ùرض لغة المستعمÙر، Ùمارست عنÙا رمزيا على اللغات المØلية وعلى أشكالها التعبيرية من الÙنون والآداب.
لقد أدرك المستعمÙر أنّ المعركة الØقيقية ليست Ùقط تلك التي تدور رØاها ÙÙŠ الجبال والأØراش والبوادي والسواØÙ„ØŒ بل أيضا تلك التي تدور ÙÙŠ أرض اللغة، Ùكان عليه أن ÙŠÙرض وجوده، ويرسّخ أركان هذا الوجود، ويضمن له الاستمرارية، وهنا تلعب "اللغة" دورا Ù…Øوريا ÙÙŠ إعادة تنظيم النظام التمثيلي ÙÙŠ هذه المجتمعات، وخلق ارتباكات ÙÙŠ نظرة المستعمَر لوجوده وللعالم الذي ينبغي أن يعبّر عنه من خلال Ùصل عرى لغته المØلية، طالما أنّ وجود الإنسان مربوط إلى شجرة اللغة، وإلى إدراكاته اللغوية لهذا الوجود، ومن ثم Ùإنّ تغيير نظام تعبيره أو على الأقل إزاØØ© نظامه التقليدي سيخلق Ùيه تمزقات Ù†Ùسية وانÙصامات ذهنية، وارتكاسات قيمية، من شأنها أن تتركه عرضة للأزمات الوجودية.
ÙÙŠ هذا السياق الاستعماري، ((ØªØµØ¨Ø Ø§Ù„Ù„ØºØ© الوسيط الذي يجري من خلاله إضÙاء طابع أبدي على بنية تراتبية للقوة، والوسيط الذي ØªØµØ¨Ø Ù…Ù† خلاله Ù…Ùاهيم "الØقيقة" Ùˆ "النظام" Ùˆ"الواقع" راسخة، لكن هذه القوة ØªØµØ¨Ø Ù…Ø±Ùوضة ÙÙŠ ظل ظهور صوت مابعد كولوينالي Ùعّال.)) ( 01 )
المسألة ÙÙŠ جوهرها، كما يعرÙها الباØØ« الأسترالي "أشكروÙت" هي تثبيت الوجود الاستعماري من خلال توطيد النظام اللغوي الاستعماري، وضمان استمراريته الأبدية، Øيث يتغلغل هذا الوجود ÙÙŠ لاشعور المستعمرات، ÙˆÙŠØµØ¨Ø Ø¬Ø²Ø¡Ø§ من وجودها الجديد، وهنا تؤدي اللغة هذا الدور الخطير ÙÙŠ ابراز الطابع الهيمني لهذا النظام، والقائم على تراتبية للقوى، ÙÙŠ مقابل النظر إلى الآخر بدونية، واعتبار " لغته " لغة بذيئة، لا تعبّر إلاّ عن تخلّ٠أصØابها وعن بدائيتهم.
تلخص المشروع ÙÙŠ جعل المستعمَر ينÙر من لغته، ويقبل متوهما على لغة المستعمÙر، كتأشيرة للاعترا٠به، أو لميلاده الجديد. لكن، مالم يتكهّن به الاستعمار، هو أنّ هذا الواقع القائم على تراتبية سلطوية "سيد/ عبد، قوي/ ضعيÙØŒ متØضر/ متخل٠والتي سخّر لها اللغة لتعزيزها كانت سببا ÙÙŠ انبثاق وعي من داخل هذه المستعمرات، ÙŠÙسائل ذاته، ويشكّك ÙÙŠ مدى نزاهة لغة المستعمÙر، ÙˆÙÙŠ مدى براءتها من أيّ نوايا سيئة، بل أنّ هذا الوعي قد جسدته كتابات خرجت من أعماق هذه المستعمرات، ومعظمها كان نتاج المدرسة الكولونيالية، ÙÙ‡Ùمت أنّ المقاومة هي Ùعل لغوي، وهي استعادة للصوت المستبعد، او المكتوم، وأنّ المستعمر ÙŠÙقاوم لا Ø¨Ø§Ù„Ø³Ù„Ø§Ø Ù„ÙƒÙ† بالرد عليه بالكتابة أي بالخطاب.
لغة المستعÙمر واغتراب الرؤية
ما Ø£Ùرزه الواقع الاستعماري هو "اغتراب اللغة" لدى النخبة المثقÙØ© من أبناء المستعمرات، والتي وجدت Ù†Ùسها تبØØ« عن الطريق السليم والصØÙŠØ Ø§Ù„Ø°ÙŠ يمكن أن يوصلها إلى الوعي بذاتها وبهويتها الأصلية، وهو شكل من أشكال القمع الرمزي الذي ظلت آثاره ماثلة على جسد اللغة والثقاÙØ© والإنسان ÙÙŠ هذه المستعمرات.
من بين المعضلات التي واجهت كتاب المستعمرات منها: بأيّ لغة يكتبون؟ ولأيّ متلق يكتبون؟ هي ÙÙŠ جوهرها تمثّل أزمة "تمثيل" الصورة الذاتية لهذه النخبة من الكتاب الذين نشأوا داخل نظام رمزي مختل٠عن النظام الثقاÙÙŠ والاجتماعي والرمزي لشعوبهم، Ùتوّلد عن هذه الأزمة خلل ÙÙŠ علاقة الكلمات بالأشياء، ذلك أنّ لغة المستعمر تعبّر عن تجربة تمثيلية لا تنسجم مع خصوصيات الأشياء التي تؤثث المكان أو الطبيعة أو الإنسان ÙÙŠ هذه المستعمرات.
يتجلى هذا الاغتراب اللغوي ÙÙŠ هذه الÙجوة التي بين خبرة المكان وبين اللغة المتاØØ© لوص٠هذا المكان والخبرات التي تنتج عبر الاØتكاك والتÙاعل به، Øيث تبدو اللغة ÙÙŠ هذا السياق غير كاÙية لوص٠مكان جديد أو مختل٠لا يوجد له بديل على صعيد الدوال ÙÙŠ لغة المستعمÙر، كأن تعجز هذه الأخيرة ÙÙŠ وص٠Øيوانات المنطقة أو ظروÙها المادية والجغراÙية أو ممارسات أهاليها.
هل يعبّر الكاتب من أبناء المستعمرات عن ظروÙÙ‡ وخصوصيات هذه الظرو٠بلغة غير مهيأة لتمثّل على Ù†ØÙˆ دقيق تلك الظروÙØŸ ثمّة ضرورة هنا لممارسة انزياØات عنيÙØ© داخل هذه اللغة أو الاستسلام لشرطيتها الدلالية والنØوية والتركيبة والانØباس ÙÙŠ تصوراتها الذهنية، وبذلك يقول ما تريده هذه اللغة، وبذلك نكون أمام مقولين: مقول اللغة ومقول الذات الكاتبة، وهما ÙÙŠ Øالة تناÙر وتضاد مؤلمين.
مالك Øداد: اللغة تلك العزلة النبيلة والمأساوية:
كان مالك Øداد نموذجا تاريخيا مهما يبرز العلاقة المتوترة بين كاتب انÙصل بقوة التاريخ عن لغته الأم Ùوجد Ù†Ùسه بين Ø£Øضان لغة أخرى، لكنها العلاقة التي كشÙت عن نوع من القلق أو ربما التذبذب ÙÙŠ الرؤية ÙˆØ§Ù„ÙˆØ¶ÙˆØ ÙÙŠ الآن ذاته.
كتب مالك Øداد بلغة المستعمÙر، وإن كان سيÙضل لو أننا وصÙنا له هذه اللغة بأنها لغة موليير، ايمانا منه أنّ التجربتين الاستعمارية واللغوية Ù…Ùصولتان عن بعضهما البعض، أما مشكلة الجزائري Ùليست مع اللغة بقدر ما هي مع الجنرال "بيجو".
داخل هذا السياق المشØون بتوترات Øاول Øداد أن يخضعها لنسق تأملي وجدلي يصيغ رؤيته لما يشكّل هاجسا Øقيقيا للكاتب الجزائري إبان الاØتلال الÙرنسي، Ùلم يكت٠بتقديم شهادة شخصية، بل أراد أن يكون صوت جيل Øاصره التاريخ، ووجد Ù†Ùسه ÙÙŠ معترك أزمات ثقاÙية ووجودية كان للغة نصيب كبير ÙÙŠ تعميق جراØهم الرمزية.
كانت اللغة الÙرنسية عند مالك Øداد هي ذلك المنÙÙ‰ الذي تØوّل إلى وضع درامي بلغ به مبلغا من التألّم الروØÙŠØŒ Øيث لم يجد ما ينكى هذه Ø§Ù„Ø¬Ø±Ø§Ø Ø¥Ù„Ø§Ù‘ اختيار أشد الØلول قسوة وهي التوق٠عن الكتابة باللغة الÙرنسية بعد الاستقلال، وسواء أكان موقÙÙ‡ صائبا أم مبالغا Ùيه، Ùإنّ صاØب رواية "التلميذ والدرس" أراد أن يقدّم درسا للتاريخ Øول التزام الكاتب الجزائري بقضايا وطنه، مؤمنا أنّ لا استقلال إلا بÙÙƒ الارتباط بÙرنسا لغويا، واستعادة علاقة الجزائر بمكوناتها الهوياتية على رأسها اللغة العربية (لغة الأم).
لم يقدم لنا Øداد لاسيما ÙÙŠ مقاله الطويل "الأصÙار تدور ÙÙŠ Ùراغ" Ù…Øاكمة للغة الÙرنسية، لكنه أراد أن يكش٠عن الانسداد الذي طال أنظمة التمثيل الثقاÙية عند الكتاب الجزائريين، وما بلغوه من عزلة قاسية، كان من أهم أسبابها غياب القراء بل وانعدامهم، لأنّ معظم الجزائريين كانوا أميين، وبذلك Ùإنّ ما يكتبه الكتاب الجزائريون كان أشبه بمونولوغ داخلي، لا يصل إلى هؤلاء الذين كانوا ضØايا التاريخ، وضØايا سياسات الاستعمار التي ضربت بثقلها ÙÙŠ سبيل تجهيل الشعب الجزائري، ورميه ÙÙŠ ÙÙ… الجهل ثم الإطباق عليه، ÙØينما صدع ((بعبارته الشعيرة "الÙرنسية منÙاي" لم يكن يقصد بهذه العبارة الذائعة الشائعة أن ÙŠÙØاكم اللغة الÙرنسية من Øيث هي لغة مثل بقية اللغات البشرية، وإنما كان يشير إلى الطريق المسدود الذي وجد Ùيه الأدب المغاربي المكتوب باللغة الÙرنسية بعامة والأدب الجزائري بخاصة، ولاسيما أنّ هذا المنÙÙ‰ انتقل إلى قرائه.)) (02 )
ندرك أنّ المعضلة عند Øداد مزدوجة، Ùهي لا تتعلق باللغة ÙØسب من Øيث هي لغة، بل أيضا بالقارئ الذي يشاركه Ù…Øنة المنÙى، وعجزه عن قراءة ما ÙŠÙكتب، ويستذكر الØادثة التي وقعت له ÙÙŠ Ø¥Øدى مكتبات باريس Øين تØدث إلى عامل جزائري اقتنى روايته وهو لا يعر٠القراءة، ومع ذلك أصرّ على أن ÙŠØملها معه كون الكاتب جزائريا. الØادثة كما ذكرها Øداد تØمل الكثير من الدلالات التي ندرك Ùيها بعمق مأساة القارئ كذلك، الذي قد نتخيل وضعه وهو يتأمل ÙÙŠ كتاب دون أن يقدر على ÙÙƒ Ø´Ùراته أو أسراره.
يعرّ٠Øداد القارئ الØقيقي بأنه ذلك الذي لا يقرأ لكنه ÙÙŠ المقابل هو الذي يصنع التاريخ الذي يكتب عنه الكاتب، أي أنّه أكبر من ÙŠÙهم هذا التاريخ، ÙÙŠ Øين تقتصر وظيÙØ© الكاتب ÙÙŠ التعبير عن ذلك الÙهم.
يقول Øداد ((هؤلاء القراء الذين لا يقرؤوننا، الذين لا يستطيعون قراءتنا، ÙÙŠ Øين أنّهم هم الذين يعطون معنى لوجودنا، ومعنى لكتاباتنا، ويمثلون السبب والغاية للثورة الجزائرية، أعني بهم الÙلاØين.)) ( 03 ) اعترا٠مهم من Øداد، ÙŠÙنزل الكتّاب من أبراجهم العالية، ويقلّل من تعاليهم الذي قد يبلغ شأنا يكون للكاتب سلطة قمعية ومطلقة على القراء، بالنسبة له، هؤلاء الÙلاØين هم القراء الØقيقيون، بل هم الذين يكتبون التاريخ ويعيشونه من الداخل ويساهمون ÙÙŠ صناعته، غير أنّ المشكلة تكمن ÙÙŠ أنّ الكاتب الجزائري Øين يكتب عن صانعي التاريخ Ùهو يكتب لقرائه الØقيقيين الذين لن يقرأوا له، وربما لم يسمعوا به. تلك هي مأساة الكتاب الجزائريين، مأساة مالك Øداد وكاتب ياسين ومولود Ùرعون ومولود معمري. ويختزل Øداد هذه المأساة بقوله ((ÙˆÙÙŠ كل مرة كنت Ø£Ùكر ÙÙŠ هذا القارئ المثالي، ÙÙŠ هذا الÙÙ„Ø§Ø Ø§Ù„Ù…Ù†Ø´ØºÙ„ اليوم بمأمورية أخرى، ÙÙŠ هذا الÙÙ„Ø§Ø Ø§Ù„Ø°ÙŠ لا يقرأ لي، والذي اكتب له...)) (04 ) لهذا، ينتاب الكاتب Ø¥Øساس بالعزلة، وبÙظاعة اليتم، وبالانقطاع عن واقع من المÙروض أنّه يمثّل متلقيا لأÙكاره وصوره وهواجسه.
Øين يغيب القارئ، أو ييتّم الكاتب به، Ùذلك يعني عند Øداد "استØالة الكتابة"ØŒ إذ تÙتقد الكتابة وظيÙتها كوسيط بين Ø£Ùكار الكاتب وقارئه المثالي، وتستØيل إلى صمت من نوع آخر، يتلبّس الكاتب ÙÙŠ عزلته الأبدية والمؤلمة، كما تتØول الكتابة بلغة الآخر إلى انتÙاء لجوهر الكتابة ذاتها، وتغدو النصوص مناÙÙŠ باردة تضع الكاتب هدÙا لوخز الØنين لا إلى الوطن بل إلى اللغة الأولى، اللغة الأم.
ما كتبه Øداد هو كتابة المناÙÙŠ الرمزية، تلك التي تستبدل الأوطان باللغات، وتغدو هذه اللغة / لغة الآخر المستعمÙر بمثابة عزلة وجودية، Ùكتابة المنÙÙ‰ ((لا يسكنها الØنين Ùقط إلى Ø·Ùولة المكان، بل إلى Ø·Ùولة اللغة الأم أيضا، من منطلق أنّ Ø·Ùولة اللغة تربة لها قداستها وسØرها العجائبي وتركيبها المنطقي الخاص، وتتمتع بØماية الذاكرة.)) (05 )
يضعنا Øداد أمام رؤيتين ÙŠÙسر بهما مأساة الكاتب الجزائري:
- الرؤية الأولى تتعلق بغياب القارئ.
- الرؤية الثانية تتعلق بالØنين إلى اللغة الأم.
تأملات ÙÙŠ الازدواجية اللغوية: اللغة الÙرنسية وأطيا٠موليير
إنّ المÙارقة ÙÙŠ موق٠Øداد من لغة المستعمÙر، أنّه اجتهد لكي ÙŠÙصل بين نظرته إلى اللغة الÙرنسية باعتبارها منÙاه الرمزي وما Ø£Øدث ذلك ÙÙŠ Øياته الأدبية من شروخ تسبب ÙÙŠ عزلته، ÙˆÙÙŠ تيتمه، وبين الاعترا٠بالوجه التنويري ÙÙŠ هذه اللغة بالذات، وكأنّ لسان Øاله يقول: قد تكون الÙرنسية منÙاي، لكنها أيضا بوابتي إلى العالم، وإلى Ùكر الأنوار، وإلى الØضارة. هل Ù†ØÙ† أمام نظرة متناقضة مع Ù†Ùسها؟
ÙÙŠ البداية، ينبغي أن نضع نظرة Øداد للغة وإشكالياتها ÙÙŠ سياقها التاريخي، Øيث كانت لمقولات كالالتزام والنضال السياسي ووظائÙية الكتابة والتزامها التاريخي والأخلاقي مقولات ذات دلالات متجذرة ÙÙŠ تلك المرØلة، بل ومÙتاØية Ù„Ùهم الطبيعة التاريخية لأÙكار جيل من الكتاب الذين نشأوا داخل Ùضاء ثقاÙÙŠ أخلّ بالتوازنات الثقاÙية واللغوية ÙÙŠ وعي الكتاب الجزائريين، ولم يكن طبعا مالك Øداد الوØيد الذي Ø£Øسّ بهذا الخلل، وإن كان ربما يمثل الصوت الأكثر وضوØا وجرأة ÙÙŠ طرØها بكل أبعادها ولاسيما الوجودية.
لم يؤمن Øداد بأنّ الكتابة هي شأن Ùني بØت، وأنّ وظيÙØ© الكاتب تقتصر هنا Ùقط ÙÙŠ إنتاج الجمال والÙن، وتربية الأذواق على الجميل، بل كانت الكتابة لديه انخراطا ÙÙŠ الØياة ÙˆÙÙŠ التاريخ، هي أداة من أدوات النضال السياسي الذي يهد٠إلى Ø¥Øداث اليقظة الوطنية، والوقو٠ÙÙŠ وجه الإمبريالية الغاشمة، هي أيضا تمثيل كل تلك الطبقات الكادØØ© التي تعجز عن تمثيل Ù†Ùسها، وانتشالها من براثن الصورة النمطية التي رسختها السرديات الأوروبية، وأرادت بها إقناع هذه الشعوب بتخلÙها التاريخي، وببدائيتها، ووØشيتها...إلى غير ذلك من الصور التي تزخر بها الأدبيات الكولونيالية.
يعي Øداد جيدا، أنّ الكاتب الجزائري الذي يكتب بلغة المستعمÙر هو ضØية التاريخ، ضØية أقداره المشؤومة، وهو مؤمن بأنّ الكتابة باللغة الأم ستكون أصدق وأكثر قدرة على التعبير عن Øقيقة Ø£Ùكاره، وستكتش٠الكتابة بهذه اللّغة ذاتها، من Øيث هي جزء من معالم هوية المجتمع الجزائري. لكن، تظل هذه الأÙكار مجرد أماني بالنسبة للكاتب، ما جعله ينتبه إلى ضرورة ممارسة نضاله بلغة المستعمÙر، لأنّ لا بديل له ÙÙŠ ذلك الظر٠التاريخي. ((Ùقد صارت لغة المستعمÙر بالنسبة للمستعمَر وسيلة تØرير Ùعالة. )) (06 ).
ثمّة وجه مشرق ÙÙŠ هذه اللغة، يقول Øداد، وهو تراثها الأدبي والÙكري والØضاري، ÙˆÙÙŠ هذا الجانب، يعتر٠بجميلها، ويتمثل هذا الجميل ÙÙŠ "اØترام ضياÙتها" للكتاب الجزائريين، وهنا يتذكّر كلاما قاله الكاتب الجزائري الكبير "مصطÙÙ‰ كاتب" يلخّص الÙكرة بØذق ((لقد قاومنا "بيجو" ولكن لم نقاوم موليير. )) (07 ) هذا ما يسميه Øداد Ù†Ùسه بـ"المÙارقة التاريخية العجيبة"Ø› Ùموليير بالنسبة للجزائريين ليس غريبا عنهم، وليست له أية علاقة بالقوة الاستعمارية، بل على العكس تماما، يمثل أدبه صرخة ÙÙŠ وجه الاضطهاد الذي عانى منه شخصيا ÙÙŠ Øياته، ويقدّم درسا ÙÙŠ التاريخ على أنّ أعتى أشكال الاضطهاد هو الذي يتأسس من الداخل ØŒ Ùالعدو الØقيقي هو السيد والإقطاعي الذي عر٠موليير من خلال مسرØياته كي٠ينزع عنه قناعه، ذلك الاقطاعي الذي يمدّ يده للمØتلين ÙÙŠ الجزائر (08)
ندرك أنّ Øداد كان يسير بتؤدة Ù†ØÙˆ Ùكرة "الازدواجية اللغوية" ÙƒØÙ„ لا Ù…Ùرّ منه، ÙØتى لو أنّ اللغة العربية بعد الاستقلال ستعود لتتبوأ موقعها الطبيعي، Ùإنّ هذا لن يشكّل خطرا على اللغة الÙرنسية، لأنّ هذه الأخيرة أصبØت تشكّل جزءا من التراث الوطني. Ù†Ùهم أنّ المستقبل سيكون – كما كان ÙŠØلم به Øداد – هو للتعايش بين اللغات ÙÙŠ الجزائر.
كان لزاما عليه أن ينتهي إلى هذه النتيجة Øتى لا يسقط ÙÙŠ تعصّب هو ÙÙŠ Øلّ منه، بل Øتى يبدو منسجما مع قدره، طالما أنّ الاستقلال لن يكون بتØرير الجزائر من المستعمÙر بل بتØريرها من الأمية، ومن التعصبات القومية التي من شأنها أن تئد مشروع مجتمع جزائري جديد يتسع لكل الألوان والأعراق واللغات.
يقول المرØوم " بختي بن عودة " (( ليست الÙرنسية ( لغة الآخر الذي هو المستعمر) ذلك المجال اللساني والمادي الذي يترجم قوة المدÙعية والنار التي تعطل نمو الطبيعة، بل هو مجموع القيم المنØدر من ÙلسÙات وتواريخ أي من كتابات تÙكر ذاتها لتستØضر صورة الغير ÙÙŠ كتاب أو ÙÙŠ لوØØ© أو ÙÙŠ Ù…Ùهوم، لنكن عقلانيين ونتعلّم التميّز والتأمّل، ولنذهب Ù†ØÙˆ تÙادي شر القوم...)) (09)
ما تطرØÙ‡ الازدواجية اللغوية هي نبذ Ùكرة Ù…Øاكمة اللغات، وتمريغ اللغة ÙÙŠ ÙˆØÙ„ الايديولوجيات، لأنّ لغة الآخر هي أيضا ذلك المكان المضيا٠الذي يستوعب المختلÙØŒ المكان الذي يكون للعقلانية Øضورها الضروري، لتكون سدا منيعا ÙÙŠ وجه التشرنقات العرقية واللغوية. إنّها أيضا طريقة لممارسة " الØوار " لا بمعنى تذويب الهوية، بل طريقة للإقبال على " الكوني " Ùˆ " الإنساني " ونØÙˆ مزيد من الوعي بالذات، وهي كذلك تضمن " اخصابا" للوعي وللسان معا.
أليست اللغة الÙرنسية هي الجسر الذي أوصل Øداد وكاتب ياسين ومØمد ديب وآسيا جبار وغيرهم إلى العالمية؟ كتب Øداد يقول بنوع من الاعترا٠(( إنني ÙÙŠ اللغة الÙرنسية ÙÙŠ منÙى، غير أنّ بعض المناÙÙŠ يمكن أن لا تكون غير مجدية، وإنني أشكر من كل قلبي هذه اللغة التي مكنتني من أن أخدم، أو Ø£Øاول أن أخدم بلدي الØبيب.))(10) لقد ÙÙ‡ÙÙ… بعيدا عن أيّ تأسّي Ù…Ùرط، بأنّ الÙرنسية كانت له سندا ÙÙŠ خدمة قضية بلده، وهذا ما يعكس الرؤية المتوازنة ÙÙŠ Ùهمه لوظائÙية اللغة ÙÙŠ شرطيتها التاريخية Øين تغدو وسيلة لا هدÙا ÙÙŠ ذاتها، ÙˆØينما يكتسب الكاتب وعيا بذاته وبأهداÙÙ‡ وبقضاياه.
من يكون الكاتب الجزائري؟ جدل التاريخ والجغراÙيا
يمكن أن ننهي هذا المقال بسؤال طرØÙ‡ Øداد " من هو الكاتب الجزائري؟ " ما هي المعايير التي تكش٠عن هوية الكاتب الجزائري؟ هو تساءل عن الكتاب الجزائريين وليس عن الكتاب ÙÙŠ الجزائر، Ùبين العبارتين اختلاÙات دلالية واضØØ©. من جهة أخرى Ùإنّ السؤال الذي طرØÙ‡ كان ÙÙŠ واقع الأمر إعادة تمثّل لذات السؤال الذي طرØته مجلة Ùرنسية، قامت بعملية سبر لآراء كتاب ÙŠÙÙترض أنهم جزائريون، وبطبيعة الØال كان معظم المستجوبين من الكتاب الÙرنسيين المقيمين ÙÙŠ الجزائر بصÙتهم كتابا جزائريين.
كان لابد أن ننتبه إلى أنّ الكاتب الجزائري كان يبØØ« عن انتشال Ù†Ùسه من ركام التعريÙات والتصورات Øول من يكون الكاتب الجزائري، لما كان الكتاب الÙرنسيون يدعون إلى هوية جزائرية لما يكتبونه، وكانت Øركات مثل Øركة الجزأرة دعت إلى تأسيس جمالية مغايرة للجمالية الميتروبوليتانية، وكانوا يعتبرون أنÙسهم كتابا جزائريين. كما أنّ المنضويين ÙÙŠ مدرسة الجزائر كانوا هم أيضا ÙŠØذوهم هذا الهد٠لتأسيس Øركة أدبية جزائرية تعلن عن ميلاد أدب جزائري جديد يكتبه كتاب Ùرنسيون ولدوا ÙÙŠ الجزائر وعاشوا Ùيها أمثال " ألبير كامو ".
إذا كان هؤلاء يعتبرون أنÙسهم كتابا جزائريين Ùمن يكون Øداد وكاتب ياسين ومØمد ديب ÙˆÙرعون؟
هل المسألة تختزل ÙÙŠ جدل الانتماء إلى Øساسية ÙÙŠ الكتابة أم إلى هوية قومية وسياسية وقيمية وتاريخية؟ هنا يقول Øداد (( إنّ عبارة " كاتب جزائري " تØمل ÙÙŠ نهاية المطا٠غموضا، من Øيث أننا لا نتÙÙ‚ على مضمونها، ولا Øتى على كلمة " جزائري " أو على صÙØ© جزائري. إنّ الكاتب هو نتاج التاريخ أكثر منه نتاج الجغراÙيا، ÙالجغراÙيا اØتمال أما التاريخ Ùلا. إنني أرى أن كل هذا الغموض، وهذه المعاناة ÙÙŠ البØØ« عن تعري٠نشأت من مأساة اللغة، وهذه المأساة تأتي من التعبير الÙرنسي لكتاباتنا.)) (11 )
الØÙ„ عند Øداد هو تØديد Ù…Ùهوم " الجزائري " كمÙهوم تاريخي لا جغراÙÙŠ طالما أن الجغراÙيا ليست أكثر من اØتمال، وأنّ العيش ÙÙŠ مكان لا يعني بالضرورة الانتماء إليه، إن لم يكن لوجوده امتدادا ÙÙŠ التاريخ.
تÙØ·Ø±Ø Ù‡Ù†Ø§ Ùكرة الأصل بمعناها التاريخي، أي ذلك الجذر الذي يمكن الرجوع إليه للقاء بالأجداد وبالتراث والعادات والتقاليد والمنظومات التصورية والذهنية والرمزية التي أنتجتها الجماعة منذ قرون. ولذا يرÙض Øداد اعتبار الجزائر أمّة بلا تاريخ.
Ø¥Øالات المقال
- ) – بيل اشكروÙت وآخرون، الرد بالكتابة النظرية والتطبيق ÙÙŠ آداب المستعمرات القديمة، تر: شهرت العالم، المنظمة العربية للترجمة لبنان، Ø·01ØŒ 2006ØŒ ص 25.
- Ø£Øمد يوسÙØŒ علامات Ùارقة ÙÙŠ الÙلسÙØ© واللغة والأدب، منشورات الاختلا٠الجزائر، منشورات ضÙا٠لبنان، دار الامان الرباط، Ø·01ØŒ 2013ØŒ ص 172.
- مالك Øداد، الأصÙار تدور ÙÙŠ Ùراغ، تر: Ø£Øمد منور، دار الألمعية الجزائر، Ø·01ØŒ 2012ØŒ ص11.
- المصدر Ù†Ùسه، ص 13.
- Ø£Øمد يوسÙØŒ علامات Ùارقة. مرجع سابق، ص 173.
- مالك Øداد، الأصÙار تدور ÙÙŠ Ùراغ، مصدر سابق، ص 25
- المصدر Ù†Ùسه، ص 29.
- م، ن، ص 29.
- بختي بن عودة، ظاهرة الكتابة ÙÙŠ النقد الجديد، مقاربة تأويلية الخطيبي نموذجا، دار الأديب للنشر والتوزيع الجزائر، دط، دت، ص 119
- مالك Øداد، الأصÙار تدور ÙÙŠ Ùراغ، ص 34.
- م، ن، ص 52.