الرئيسية التعليق تطهير الإعلام من خصوم العهدة الرابعة


في كلمات

عبد الحكيم بلبطي

تطهير الإعلام من خصوم العهدة الرابعة


  عبد الحكيم بلبطي     hakimbelbati@yahoo.fr

مقالات سابقة للكاتب

- الجيش في غرداية، هل هي البداية؟
- الدستور 'الصخري'
- الدستور للسلطة أم للمجتمع؟

كان من الصعب توقع تراجع جدية مشاورات دستورية إلى ما دون مستوى عمل لجنة بن صالح. كنا نظن أنها تمثل الصيغة الدنيا من مشاورات سياسية. لكن، حقق أويحيى المعجزة. فهو يجري "دردشات" في صمت، يقال إنها جاءت بأمر من الرئيس شخصيا، بهدف صياغة دستور "توافقي" يحمي الحقوق، ويزيد في الحريات، ويضمن المنافسة الشريفة. والكل، من أجل تشييد ديمقراطية تتأسس على التداول الديمقراطي على الحكم، على الأقل، هذا ما جاء في شكل وعود خلال الحملة الرئاسية.

لكن على أرض الواقع، لا نلمس ما هو قريب من هذه القيم. نعيش نفس الأجواء التي تميز العلاقات السياسية والاقتصادية أو التجارية. والنموذج الممكن استخدامه لتقصي أثر ما تنوي السلطة القيام به، هو بعث قضية يومية "الفجر"، لتكون الرسالة موجهة إلى من بقي خارج سرب الممتنين لبركات أصحاب العهدة الرابعة.

فالقضية مع "الفجر" تدور حول ديون على الجريدة. هذا ما يبرز فوق سطح القضية. أما ما تخفيه، فهو أمر آخر.

لقد تقرّر استهداف الفجر من دون باقي العناوين التي لديها ديون. والسؤال: إذا لم تكن مواقف الجريدة هي المستهدفة، لماذا تبقى العملية ممحورة على عنوان دون آخرين؟

لا ننكر القول بأن الوسط الإعلامي يحتضن أكثر من ناشر، سلوكه من سلوك الخدم في بلاط الحكم.

هناك حاجة ملحة لإعادة النظر في صياغة مفهوم "الاستقلالية"، مثلما هناك ضرورة حيوية إلى مراجعة وتصحيح مدلول "الخدمة العمومية" والارتقاء بها إلى مصاف "الخدمة الاجتماعية"، حيث لا يطغى طرف على آخر في الاستفادة، أو في استغلال تلك الخدمات. فوسائل الدولة لا يجب أن تبقى حكرا بين يدي الحكومة. فهي خطر على المبدأ وعلى الخدمة. وبالتجربة السابقة والحالية، نرى كيف تحتكر الحكومات وسائل المجتمع لتخدم مصالحها، وتعاقب معارضيها، مستخدمة وسائل وموارد بشكل غير قانوني.

فمن يحاسبها، ومن يراقب أعمالها؟

ستجد الحكومة، في جو كهذا من يتعامل معها من وسائل إعلامية، همها الحصول على الإشهار العمومي. فهي تدير الإشهار العمومي بذهنية مال البايلك. وما حديثها عن تطهير القطاع إلا مسرحية يعاد بثها كل سنة أو سنتين، لأن التطهير الفعلي يبدأ من احترام والالتزام بقوانين المنافسة. حماية للعدالة الاجتماعية، وصيانة للمال العام.

لا أتّصور حكومة، اليوم، قادرة أو ذات إرادة لتقدم على خطوات ستفقدها السيطرة على وسائل الدعاية، خصوصا في مرحلة استفاقة المعارضة، التي تحدّت السلطة عندما جمعت أطرافها في زرالدة، وعقدت ندوة حضرتها شخصيات وأحزاب ذات مصداقية ورؤية.

من يطبع معظم الجرائد المدانة، ومن يحتكر الإشهار العمومي ويقوم بتوزيعه في شكل ريوع وغنائم، هو الطرف الأساسي في معادلة تعميم الفساد في الوسط الإعلامي، وهو الطرف المركزي المطالب منه تطهير نفسه من الشوائب والعلائق حتى يتحرّر القطاع الإعلامي من ضغوط تأثير المال على مهنية أصبحت مكبوتة.

إذا كان وزير الاتصال واع بما يقوله عن التطهير، وإذا كانت الحكومة جادّة في وعود برنامج الحملة والتعديل الدستوري لضمان حريات أكبر وأكثر، ليتخذوا الخطوة الضرورية المؤدية إلى رفع الاحتكار، عن طريق احترام حرية المنافسة. ولتكن السلطة القدوة في استعمال سلاح الشفافية.

كل مرة تتحدث فيه الحكومة عن التطهير، تعود بنا الأذهان إلى عمليات الأيادي النظيفة التي نفذتها أول حكومة ترأسها أحمد أويحيى من حوالي عشرين سنة(!) رفعت شعار التطهير لتخلق جو من "البسيكوز" جعل من المسيّر، من شدة الخوف على مصيره، دمية مجردة من روح المبادرة.

مازلنا بعد كل هذه السنين نقيم بحي المنفى، بعيدا عن الحق. أويحيى يعد بحريات دستورية، وحكومة تعيد قراءة ما كتبه "سي أحمد" في كراس أوساخ، تركه بدرج مكتبه يوم قرّر شنّ حملة الأيادي النظيفة.

هل تفتح وزارة الاتصال ملفات اقتسام المال، أم تطوي الملف القديم وتفتح آخر تفاخر بأنه من دون سوابق؟ فعلت ذلك من قبل، عشية حلّ شركة "هولدينغ" كان يشرف على القطاع. فبقرار امتصت ديون المطابع، وصادقت على ما تم توزيعه من إشهار، ثم فتحت صفحة جديدة، خطّت سطورها بحبر الفساد المنتشر اليوم.

كيف يكون التطهير؟

الطريق المؤدية إليه تمرّ عبر احترام المنافسة، وتطبيق الشفافية. والسلطة غير مهيأة لذلك. فمصدر قوتها آت من الاحتكار، وأيضا من الغموض. وهذا ما يفسر، إلى حد بعيد، اعتماد الحكومات على لغة غامضة ومبهمة، وتفضيلها استعمال كلمات كبيرة، يتم تقزيمها بمجرد إطلاقها في الهواء الواسع الشاسع.

فماذا يعنيه "التطهير" في جو لا متناه من العلاقات غير الشرعية؟ وأي تطهير من دون تحديد الإطار ولا الزمن و لا الوسائل؟

التطهير القادم هو جولة جديدة للانقضاض على المخالفين للرأي.

hakimbelbati@yahoo.fr