الرئيسية مجلة "يڨول" تحقيق وروبورتاج

بين من يحافظون عليه مهما كان الثمن ومن يبيعونه لمجرد وفاة الوالدين

البيت العائلي.. القلب الكبير لم يعد يسع الجميع


08 جويلية 2014 | 11:49
shadow

لقد كتبت نجوى الزهار - كاتبة أردنية – من مواليد سوريا عن بيتهم، بيت العائلة، الذين اضطروا لمغادرته: "لا يزال بيتنا القديم في حارة" القرماني" في خاطري وعلى لساني "، مضيفة: "تلك الجدران التي كانت تتزين بآيات من القرآن الكريم والتي كانت بخط جدي الجميل- رحمه الله - كانت الأغلى على القلوب، لا يزال صوت جدتي الباكي الحائر: أي بيت جديد؟ أي بيت له جدران مثل هذا البيت؟ "، "والبيوت حكمة في حد ذاتها" تقول نجوى الزهار. هو نفس الوجع الذي عاشه شاعر وأديب فرنسا الكبير" لامارتين"، وجع تشهد عليه كتاباته وقصيدته المشهورة "نافذة بيت العائلة"، حيث ظل حنينه إلى بيتهم في "ميلي" فما قصصنا مع بيت الوالدين؟ "


الكاتب : آسيا بن تريدي


بيت الوالدين ذكرى غالية منهما"

ان البيوت الجزائرية كالعربية عموما بنيت لتجمع كل أفراد العائلة، فالأولاد إذا تزوجوا، يتزوجون فيه، ويكبر أولادهم في جو من المحبة والتراحم تحت وصاية الجد والجدة و العم الاكبر و العمات ، ويومياتهم اكتست طابعا خاصا في المواسم والأعياد والأفراح والأقراح، وفق تقاليد وعادات كانت القاسم المشترك بين البيوت المجاورة. بيوت يعرف بها أصحابها لأنها مثقلة بتاريخهم وعراقتهم، جعلت البعض يحتفظ بالبيت حتى بعد وفاة الوالدين كالسيدة "كوثر" في العقد الخامس على مشارف التقاعد، أم لولدين تقول ل"يڨول"، "احتفظنا أنا وإخوتي وأخواتي ببيت الوالدين الذي يحمل اسم عائلتنا وبه نعرف فهذا الذي بقي لنا منهما نجتمع فيه مع أولادنا في المناسبات والأعياد ". قرار تشترك فيه البيوت التي تحدث أصحابها لنا و لكن هناك دوما حديث عن تخوف من امكانية حدوث العكس عند البعض لان على حد قولهم لا ندري ما تخفيه الايام.

لم يبق من البيت إلا ألبوم للصور

في حي واحد،قد تتكرر نفس القصة بعد وفاة الوالدين أو حتى قبلهما فبيت العائلة الكبير لم يعد يسع هذه الأسر الصغيرة والكل يريد أن يعيش ويستقل، هذا الذي رضخت له السيدة "ب" في العقد السادس بعد وفاة زوجها، يقول سكان أحد أحياء وسط مدينة البليدة، والتي فشلت بعدها محاولاتها في شرائه من جديد من مالكيه لاستعادة ذكرى زوجها   .ففي نفس الحي يستعد الورثة أصحاب إحدى الفيلات للرحيل، فقد كان القرار البيع بعد وفاة الوالد، إنه القرار نفسه الذي تقول إحدى ساكنات هذا الحي بدأ يدور في أحد البيوت الأخرى أيضا.

تختلف النفسيات بين رافض ومرحب بل منتظر له، لكن ألم الفراق يتقاسمه الجيران مع الراحلين والمغادرين مع تخوف كبير من هوية الوافدين الجدد أو من مصير البيت كالهدم أو تحويله إلى إقامة سكنية أو مدرسة خاصة، أو مشروع تجاري، فماذا بقي بعدها من البيت غير ألبومات وصور تروي قصة مكان وزمان ولحظات سعادة وانكسار من مجلد الذكريات وصناديق الروح تلك البيوت التي ابتدأت بحلم حلم بأن يكون لهم بيت و أبناء و ألفة و عادات و جار يطرق عليهم الباب و يحسون بوجودهم معه.  

 

المصريون وبيت العائلة

تفاصيل واستثناء

قد يشكل المصريون استثناء جميلا في مفهوم بيت العائلة وما يحمله من دلالات عميقة للانتماء والأصل والهوية ولمة العيلة، والعادات والتقاليد والقيم، حيث تم تأسيس "بيت العائلة المصرية"عام 2011 برئاسة شيخ الأزهر والبابا شنودة، مقره الرئيسي مشيخة الأزهر بالقاهرة، مبادرة وفكرة ولدت من رحم الأزمة المصرية هدفها لم شمل المصريين، دور مستمد من روح بيت العائلة المصري الحقيقي.تفاصيل بيت العيلة كانت دوما و مازالت تشكل موضوع مسلسلات جمعت الجزائريون حول الشاشة الصغيرة .

 

أستاذ علم الاجتماع يوسف حنطابلي: "لبيت العائلة رمزية ثقافية

و الصراع هوبداية المشكلة"

 

ولمعرفة رأي علم الاجتماع في هذا الموضوع اتصلنا بأستاذ علم الاجتماع يوسف حنطابلي الذي بعد عرضنا عليه للحالات و الاراء التي رصدناها قال "انه ارتباط عاطفي طبيعي ببيت العائلةو برمزيته الثقافية " مضيفا " ان القضية تبدأ بالصراع داخل الاسرة بسبب الميراث و يستحيل بيعه عند البعض لانه مرتبط بالموروث و العائلة فقرار البيع قرار متسرع فممكن ارجاعه مادامت الام موجودة و لكن المستوى المادي المتفاوت للأبناء يجعل أكثرهم تضررا يضغط من أجل البيع " و نبه الاستاذ يوسف حنطابلي الى أن غياب ثقافة الكراء في مجتمعنا الذي يكون حسب رأيه أفرز هذه المشكلة حيث يقول " نحن مجتمع مرتبط بالملكية ثقافة الكراء غير موجودة على خلاف المجتمعات الغربية مثلا " .

و عن مفهوم البيت عند المصريين و الذي انبثقت منه مبادرة بيت العائلة المصرية يرجع يوسف حنطابلي هذه الفكرة الى رمزية البيت التي يتمسك بها المصريون و يستمدون منها أفكارهم .

البيع ينال من خصوصية الاحياء

أما عن التغيرات التي بدأت تظهر على النظام الاجتماعي في الأحياء السكنية التي عرفت بعضها عملية بيع الورثة لمنازلهم ونتيجة تحويل العقار المباع الى اقامات سكنية تضم طوابق عديدة أو الى مدرسة خاصة نالت من خصوصية الحي السكني يقول المتحدث " إن صورة المدينة غير مكتملة في مجتمعنا " ملفتا الانتباه الى وجودها في الاحياء التقليدية موضحا لنا"الاحياء التقليدية بكل تخلفها صورتها جميلة اجتماعيا لأنها منسجمة " و يقصد بالانسجام انسجام السلوكات مما يعني بأن البيت له دور كبير في تحقيق هذا الانسجام في السلوك حيث و هنا يذهب المتحدث بعيدا في هذه النقطة بقوله "نسكن بيتنا و نبحث عن رمزية البيت في الشارع"

 

       انه الصراع الذي تحدث عنه عالم الاجتماع الفرنسي الشهير بورديو، السمة الحاضرة دوما في الحياة الاجتماعية و الذي يكشف عنه الواقع اليوم و اقع البيوت  و الذي أكده   يوسف حنطابلي في حديثه معنا.

 

وفي نفس الوقت من خلال هذا الصراع تبقى حقائق كثيرة جميلة هي أن بيت العائلة يظل موجودا معنا جميعا باستمرار لو غادرناه فانه لا يغادرنا موجود في مخيلتنا و خواصنا العميقة و مرجعياتنا الأخلاقية و الفكرية و الجمالية .



مواضيع ذات صلة

التعليقات

أترك تعليقا

شكرا لك تمت إضافة تعليقك بنجاح .
تعليق