الرئيسية التعليق التقسيم الإداري وتوزيع الثروة


فصل الكلام

علي جري

التقسيم الإداري وتوزيع الثروة


  علي جري     adjerri@hotmail.com

مقالات سابقة للكاتب

- صحافة......تبحث عن سلطة رابعة
- ديمقراطية التعددية... والديمقراطية العددية
- الشخصية الوطنية .....لا تعين بمرسوم

شرعت حكومة عبد المالك سلال في إعداد مشروع تقسيم إداري جديد ستتمخض عنه ظهور ولايات جديدة ومن ثمة دوائر وبلديات كثيرة، وجاءت هذه الخطوة تنفيذا للوعود التي أطلقها وكلاء الرئيس أثناء زيارتهم لبعض الدوائر طيلة الحملة الانتخابية.

وبغض النظر عن عدد الدوائر والبلديات المعنية بهذه العملية، وعن جدوى إضافة ولايات جديدة، فإن السؤال الأول الذي يتبادر إلى الذهن يتعلق بالمقاييس التي اعتمدت عليها الحكومة في اختيار الدوائر التي سيتم ترقيتها إلى ولايات. ثم هل الجزائر بحاجة إلى ولايات ودوائر وبلديات جديدة؟ وهل التقسيم الإداري الجديد سيساهم في تقريب الإدارة من المواطن وسيحدّ من البيروقراطية ويحرّك عجلة التنمية، وهي المبررات التي أراد بوتفليقة تسويقها للجزائريين؟ أم أن التقسيم الجديد الذي ستترتب عنه تبعات وانعكاسات مالية ضخمة سيلتحق بركب إخفاقات الولايات الجديدة في القضاء على البيروقراطية وبعث التنمية المحلية.

وفي النهاية، هل أن البيروقراطية والتنمية في الجزائر مشكلة سياسية أم تقنية؟

بالرجوع إلى التقسيم الإداري الأخير المعتمد سنة 1984 الذي أثار الكثير من التحفظات، نجد أن الشخصيات النافذة في السلطة، آنذاك، كان لها الدور الحاسم في ترقية بعض الدوائر إلى ولايات رغم عدم توفرها على الحد الأدنى من الشروط الضرورية لذلك، والنتيجة عجز هيكلي متواصل وعجز مالي أدى بالسلطات العمومية إلى التدخل لتعويض هذا العجز بصورة دورية من خلال مسح الديون. ويمكن الجزم بأن تقسيم 1984 لم يكن نتيجة دراسات علمية تقنية سوسيولوجية معمّقة، بل طغت عليه الحسابات السياسية للسلطة في تلك الفترة.

ما هو مطلوب من السلطة، اليوم، هو إعادة تنظيم الإقليم على أسس علمية، من خلال دراسات استراتيجية معمّقة تأخذ بين الاعتبار خصوصيات كل منطقة والبحث عن الحلقة المفقودة التي من شأنها فتح المجال أمام الجهد المحلي، وهذا لن يتحقق، بالأكيد، إلا في ظل ديمقراطية حقيقية تحرّر منتخبي الشعب بالمجالس البلدية من قبضة الإدارة ممثلة في رئيس الدائرة ووالي الولاية، على شرط أن يختار الشعب ممثليهم بكل حرية في ظل انتخابات تعدّدية.

أما عن البيروقراطية وبعد الإدارة عن المواطن فهما وجهان لعملة واحدة، بل إن البيروقراطية هي عنوان بعد الإدارة عن المواطنين، والبعد هنا لا يقاس بعدد الكيلومترات بقدر ما يقاس بالتخلف التكنولوجي والتعقيدات الإدارية، والرشوة، والمحسوبية ويقاس أيضا بالمركزية الخانقة لكل المبادرات المحلية.

من هذا انطلق، فالحديث عن التنمية يبقى مجرد شعار يرفع في الحملات الانتخابية والمناسبات المختلفة ما لم تحدث تغييرات نوعية على بنية التسيير القاعدي، بداية بإعادة الاعتبار للبلدية كنواة أولى للتنمية والتسيير الإداري ومنح صلاحيات فعلية للمجالس المنتخبة بدل الولاة الذين يتمتعون بسلطات مطلقة بصفتهم آمري صرف، وبالتالي المتحكمين في آليات التمويل والتنفيذ والمراقبة القبلية والبعدية.

في الأخير، أريد أن أقول إن المشكلة سياسية بالدرجة الأولى، وسياسة الهروب إلى الأمام المنتهجة من قبل السلطة وصلت إلى نهايتها، وهي تعلم جيدا أن الحل الحقيقي يكمن في ديمقراطية حقيقية وفي صلاحيات للمجالس المنتخبة، وفي توزيع عادل للثروة بدل التقييم الإداري. Â