الرئيسية التعليق الدستور للسلطة أم للمجتمع؟


في كلمات

عبد الحكيم بلبطي

الدستور للسلطة أم للمجتمع؟


  عبد الحكيم بلبطي     hakimbelbati@yahoo.fr

مقالات سابقة للكاتب

- فتنة غرداية، هي التحذير من الانزلاق
- الدستور 'الصخري'
- الجيش في غرداية، هل هي البداية؟

 

" الدستور فوق الجميع و هو القانون الأساسي الذي يضمن الحقوق و الحريات الفردية و الجماعية و يحمي مبدأ حرية اختيار الشعب و يضفي الشرعية على ممارسة السلطات و يكرس التداول الديمقراطي ، و يكفل الحماية القانونية و رقابة عمل السلطات العمومية في مجتمع تسوده الشرعية، و يتحقق فيه تفتح الانسان بكل أبعاده".

انه كلام كبير، وعظيم. يليق ليكون شعار الجزائر. ولكن، كيف يمكن تجسيده؟

المشكلة الجوهرية في تنظيم النظام السياسي الجزائري أنه يصنع ما يريد لوحده، و يقصي من يجب اعتبارهم شركاء سياسيين و اجتماعيين و اقتصاديين. فنظامنا هو نظام للسلطة، و ليس نظام للمجتمع. و العودة الى المفاهيم الأساسية لتنظيم الدولة، يوجب على من يريد تعديل الدستور، وفق الشكل التوافقي المزعوم، هو بالتعامل مع المعارضة وفق مبدأ الشراكة.

في الديباجة المقترحة على النقاش، نقرأ :"الدستور فوق الجميع ". لكنه يبقى من الناحية العملية تحت السلطة. تعدل فيه ما تشاء، متى شاءت. فهي التي أدرجت تعديلات 2008، لتعود اليوم، وتقترح التراجع عما رفضه آنذاك أجزاء من المجتمع السياسي و المدني.نقرأ على مشروع التعديل أن الدستور :" هو القانون الأساسي". وعندما ننتقل الى باقي مواده، كاستقلال القضاء،و ضمان حرية التعبير و الرأي، يتعمد استخدام الغموض، بربط تطبيقات المبادئ الكبرى بقوانين سيتم صياغتها من قبل السلطة. و هو الفخ القانوني التي تستخدمه السلطة منذ 1962. و حتى يضمن الدستور لنفسه أدنى شروط العمل به، ليس هناك أفضل من اشراك المعارضة في الصياغة و في الرقابة و في المشاركة عند تعيين أعضاء المجلس الدستوري، و أعضاء مجلس الدولة، و أعضاء الحكومة، عضو بعد عضو. و الطريقة المعمول بها، أن يخضع تعيين أي مسئول سامي الى موافقة برلمان، يأتي نوابه، من انتخابات نزيهة، تشرف عليها فقط، لجنة وطنية مستقلة، تشارك فيها المعارضة.

نقرأ في الديباجة بأن الدستور: " يضمن الحقوق و الحريات الفردية و الجماعية". لكن لا نقرأ كيف سيتم التعامل مع الأوامر الشفوية، و أوامر الهاتف التي تمنع مظاهرات مواطنين خرجوا للمطالبة بتلك الحقوق الفردية و الجماعية. فالنصوص، و الأوامر تلغي ما في الدستور. و تلك أصبحت سنة عمل.

عندما نقرأ في المشروع، أن الدستور "يكفل الحماية القانونية و رقابة على السلطات العمومية في مجتمع تسوده الشرعية"، يصدمنا الواقع بخرافات الحياة. خرافات عن تناقض بين الخطاب، و بين ما يتحقق باسم ذلك الخطاب.

تؤكد التجارب على أن الدستور كنص، و كوثيقة لا يختلف عن "هبل"، صنما لا يحيي و لا يغني. عبارة عن كلمات ليس الا. لكن ما يمنح الحياة أو القيمة لتلك الكلمات، هي أن تكون الأفكار و المبادئ ، امتدادا لثقافة و لفكر متشبعا به في المجتمع. و مهمة صياغة القيم التي توحد المجتمع ، على اختلاف تركيبته و ثقافته، أن يشارك الجميع في صياغة مشروع المجتمع. لأن الدستور ليس وثيقة رئيس دولة، و لا لأحزاب الأغلبية. يفترض أن يكون أكبر و أعظم من ذلك، يعترف بالجميع، و يصنعه الجميع.

نقرأ في المشروع أن الدستور" يتحقق فيه تفتح الانسان بكل أبعاده". فهل يضمن تغطية منصفة من وسائل اعلام القطاع العام لمعارض مزعج؟ و لا يقص لسان روائي جرئ، و لا يحجب أغاني معطوب الوناس عبر الشاشات الرسمية؟

قد تبرز جدية النظام في التغيير، عندما يشرك فعلا الرأي الآخر في صياغة الدستور، و في باقي القوانين العضوية أو التنظيمية الأخرى. فالتغيير سيأتي ابتداء من المشاركة المتعددة و المتنوعة في صياغة مستقبل الجزائر.

و لا يوجد ما يوحي إلى نية السلطة في تغيير قواعد عملها ،بخصوص هذه القضايا. فهي قد تعدل في الشكل الهندسي لتوازناتها الداخلية، عبر تقديم مصلحة إدارية على أخرى.. دون التفريط في مكانتها ،ضامنة انفرادها في تنظيم الانتخابات، و في الاستحواذ على السجل الوطني للناخبين.

قد نقنع أنفسنا بأننا في دولة مؤسسات. لكن الواقع الذي نعيشه يذكرنا دوما بحقيقة وضعنا. كمواطنين، نمتلك الحق في استخراج بطاقة الناخب . ولا يوجد بعدها تفاعلات بين الحق في الاختيار، وبين واجب احترام ما تم اختياره.

كان تعديل 2008مسخرة . و عجز حينها الدستور عن الدفاع عن نفسه. كما عجز القانون العضوي من أن يملأ الفراغ، و يسد الطريق أمام الطامعين للخلود في الحكم.

يبدو الحديث عن دولة القانون بسيط في تحديد معالم طريقها. لكن على أرض الواقع، هناك أمورا أخرى هي التي تتحكم بالاختيار. و تقود من يختار كما تقاد الماعز.