الرئيسية مجلة "يڨول" تحقيق وروبورتاج

العالم يتجه إلى مجتمع بلا مدارس

متى مدرسة جزائرية ممتعة ومعلم مبدع ؟


21 جوان 2014 | 11:32
shadow

ما مشكلة المدرسة الجزائرية ؟ هل يجب التفكير مجددا للإجابة مرة أخرى عن الأسئلة الجوهرية في التربية والتعليم ؟ لماذا نعلم ؟ ومتى نعلم ؟ وماذا نعلم ؟ وكيف نعلم ؟ ومن نعلم؟ وإذا طرحنا سؤال "إيفان إيلتش" أين تعلمنا جل ما نعرفه؟ سنجيب إجابته نفسها أن القسم الأكبر من هذه المعرفة تعلمناه من خارج جدران المدرسة، فهل ممكن الاستغناء عن المدرسة ؟ وهل يمكن أن يكون الجميع بعد سنوات في الجزائر متعلما ومعلما أيضا، خاصة إذا عرفنا أن هناك من سيطالب باعتماد وتنظيم التعليم المنزلي ؟


الكاتب : آسيا بن تريدي


 

"نريد تعليما لا تلقينا للمعارف.. أغلب ما نتعلمه زائد عن الحاجة، حيث يطلب من المتعلم تخزينه في الذاكرة واسترجاعه في الامتحان، ثم يتلاشى هذا لمجرد الانتهاء منه"، "التعليم يتحول إلى عمل يومي ومستمر...".

إنه انتقاد صريح لمدرسة تقوم من أجل الاختبارات والامتحانات. ولتلك الصفوف التي لا حرية ولا سرور فيها، بل هي دروس مستمرة وصمت طويل وجلوس متعب، تلقين كان ينتظر منه الكبار من الصغار ما ينتظرونه من الرجال. تعليم كاد يضحي بحاضر المتعلم من أجل مستقبل، مفهومه غامض عند التلميذ، هذا المتعلم الصغير، فجاءت الإصلاحات لتلبي احتياجات المتعلم وجعلته مركز التعلم والتعليم.

أرادت الإصلاحات أن تجعل المدرسة مختبرا لا قاعة محاضرات، ومجتمعا صغيرا تدب فيه الحياة فيستمتع المتعلم بطلب العلم وبالنشاط الفكري وإنتاج المعرفة، كما يستمتع بالعمل ويتذوق ثمرته. فكان ما يسمى بالمقاربة بالكفاءات والتعليم الذاتي والنشاط الذي يقوم على حل المشكلات، وأولت الإصلاحات أولوية لنشاط المطالعة الموجهة كعادة المدرسة الجزائرية وكل المدارس في العالم، وجعلته ركيزة أساسية لتعلم اللغة العربية، لغة التعلم لما له من دور كبير في أعمال العقل وتزويد الفرد بآلية تشعره بالانتماء للآخرين وتبعده عن كل مغامرة سلبية، لأن هذا النشاط يعزز التواصل في مجتمع المدرسة وخارجه.

            انتقاد الإصلاحات من الانطلاقة

من الانطلاقة، تعرضت الإصلاحات لانتقادات، فالجديد صعب تقبله حيث تعترف فئة عريضة من المدرسين بأن "الإصلاحات لم تنفذ وبقي التعليم بطرائقه التقليدية"، ويرى مشرفون تربويون وأساتذة ونقابيون أن "نقائص المعلمين والأساتذة في مجال طرق التدريس وافتقار أغلبهم لثقافة في مجال فكر التربية والتعليم، إضافة إلى العلوم الإنسانية وعدم مطالعتهم، سببه الرئيس هو مواجهة هؤلاء صعوبات في فهم وتنفيذ المقاربة بالكفاءات وانتقادهم لها. وإن كانت هناك مبادرات ناجحة ومشجعة من الأساتذة والتلاميذ في إنجاز المشاريع وبعض الحصص كالتعبير الشفهي الذي حوله بعض التلاميذ إلى حصص تلفزيون الواقع".

ويضيف المفتشون والمديرون والمعلمون الذين تحدثوا إلينا بأن "الإصلاحات لا تمتلك الأرضية الصالحة للتنفيذ، فالبرنامج كثيف، والتخفيف الذي حدث جاء مخيبا نظرا للحجم الساعي الكبير، ووجود أقسام مكتظة تغيب فيها أبسط الوسائل، مع عدم تقديم دروس حية للتعلم النشط والمقاربة بالكفاءات، فأغلب الأيام التكوينية والندوات هي دروس نظرية، قلة من المفتشين يقدمون لنا أمثلة". وبدافع الفضول عن هذا النوع من التعلم، بحثنا في الأنترنت وشاهدنا في اليوتيوب درسا حيا بطريقة لعب الأدوار حول عمر بن العزيز، قدمته أستاذة من غزة بفلسطين، ودرسا آخر من البرتغال في مادة العلوم الطبيعية، شاهدنا فيه حيوية المتعلمين واهتمامهم للوصول إلى زمرة الدم في المخبر، لأن الأستاذة اعتمدت محاكاة عمل تحقيقات الشرطة بعد أن قادتهم إلى مسرح الحادثة.

أساتذة يعيدون مواضيع الاختبارات

عملا بتوصيات وردت في المناهج، كان الكشف الذي رفضت الوزارة سحبه ورفض الأساتذة في الثانوي العمل به، ويشتمل على تقويم لنشاطات هامة من مشاريع أنجزها التلميذ ومطالعة موجهة. وعلى حد قول بعض الأساتذة، فإن "هذا الكشف يخدم مصلحة المتعلمين من حيث تثمين كلي لعملية التعلم من معارف ومهارات وسلوكيات، لذا استمر البعض في احتساب نشاط المطالعة مثلا والتعبير الشفوي في عملية التقويم حتى لا تكون نقطة المراقبة المستمرة من عند الأستاذ".

ويتحدث مديرو مؤسسات تربوية عن صعوبات عملية التقويم، حيث أن "عدم تحكم الأساتذة في استراتيجيات التقويم وبناء مواضيع اختبارات بالطريقة الجديدة، جعل الكثير منهم يلجأ إلى إعادة مواضيع الاختبارات الفصلية بتغيير بسيط فقط في التاريخ"، مضيفين بأن "هناك مواضيع تكررت في مؤسسات كثيرة وهناك من يأخذ جهد غيره وينسبه لنفسه، وهذا يتناقض واستراتيجيات التقويم وأهدافه، وهو دليل على ضعف الأستاذ الذي يطالب تلامذته بالاجتهاد وهو لا يجتهد ولا يبدع".

 

الامتحانات والتكوين ضروريان للإصلاح

اعترف مسعود عمراوي، ممثل نقابة "إنباف"، في اتصال معنا، بأن مشكلة المدرسة الجزائرية عميقة جدا، حيث أنها "لم تحدد الأهداف التربوية"، مؤكدا بأن التكوين ضروري لتحقيق الإصلاح.أما عن الاختبارات والامتحانات، فيرى المتحدث بأنها ضرورية لا يمكن الاستغناء عنها، ولكن يجب أن تكون نزيهة، وينجح الذي يستحق النجاح وبمعايير واضحة.

وحول البدائل التي من الممكن أن تقدمها النقابات في مجال التقييم والتقويم، يقول مسعود عمراوي: "هناك جهود تبذل في هذا المجال لتطوير الامتحانات والاختبارات"، مشيرا بأن الوضعية الإدماجية لم تطبق بعد بالرغم من مرور سنوات من الإصلاح". وعن مطلب التعليم الجيد وما هو مضمونه ومفهومه عند نقابة "إنباف" المنخرطة في المنظمة الدولية للتربية، يقول المتحدث دون توضيحات أو تفاصيل، "هي النوعية التي يتضمنها التعليم".

وعن سؤالنا هل يمكن أن تكون 12 عاما من عمر التلاميذ قد ضاعت هباء؟ يجيب عمراوي: "أنا لا أوافق هذا الرأي"، موضحا بأن التعليم هو الذي يحمي الأفراد من المخدرات والانحراف،ويوجه التلاميذ إلى مراكز التكوين المهني لتعلم حرفة ما، فهو أفضل حماية لهم، محذرا في نفس الوقت من خطورة التسرب المدرسي.

النظام التربوي انخرط في أيديولوجية النجاعة

عن هذا الموضوع يفضل أحمد شتوح، مفتش التربية والتعليم للغة العربية في الطور المتوسط، أن يتساءل: ماذا تعني المدرسة؟ وما هي وظيفتها؟ وهل هي فضاء لصناعة الذكاء وتنمية استقلالية الفرد، وإعداده للمستقبل أم هي فضاء لترويض تمرد الأرواح الحرة وتوقها إلى مستقبلها ومشاريعها الخاصة، وترويض الناشئة عليها وممارسة وصاية عليها بتواطؤ من الأولياء؟

ويرى المتحدث بأن المجتمع كله ينبغي أن يطالب بمدرسة حديثة وبتعليم راق وفق معايير دولية، ويضيف بأن للأولياء الحق في اختيار مضامين تعلم أبنائهم.ويقترح أحمد شتوح فتح ثانويات وجامعات لتعليم مفتوح دون شهادات. أما عن مكانة الامتحانات في النظام التربوي الجزائري، فيقول إن النظام التربوي انخرط في أيديولوجية النجاعة والنتائج وأحاطها بهالة من القداسة يدفع ثمنها التلاميذ وأسرهم، مبينا بأن التقييم هدفه تكويني وتحفيزي، ويستشهد المتحدث بتجربة فنلندا في التقويم، حيث لا ينقط عمل التلاميذ قبل سن 13 سنة، مضيفا بأن فنلندا هي الدولة التي حصلت على المرتبة الأولى في البرنامج الدولي لمتابعة مكتسبات التلاميذ في القراءة والرياضيات والعلوم.

الأولياء مستاؤون من أداء المدرسة

هل هجرة المدرسة والرغبة في هجرانها عند الآخرين؟ هي بسبب الانتقام ممن منعوا من الغش والانتقال والنجاح بحسب مفهومهم ؟ وهو ما يعني بالنسبة لهؤلاء أن "المدرسة خذلت نسبة كبيرة من المتعلمين وأوليائهم لأنها لم تف باحتياجاتهم، وما تقدمه المدرسة من معارف يمكن تحصيله في مكان آخر وبوسائل أخرى والوصول إلى أفضل النتائج في الامتحانات المصيرية"، على حد تعبير التلاميذ والأولياء.

فالسيدة (م) طبيبة أسنان تقول: "ابني لديه صعوبات كبيرة في الإعراب، لست أدري ماذا سيفعل بالمفعول به؟". أما السيدة سامية فتقول: "لقد تمكن ابني وابنتي من تعلم أشياء ومهارات كثيرة خارج المدرسة، خاصة عن طريق السفر والمطالعة، وأنا سعيدة بأنهما يجيدان التواصل مع الناس وتبادل الأفكار والمناقشة، فهما يمتلكان روح نقد عالية".

وعبر الأولياء عن رأيهم في عدم العمل بالكشف الجديد في الطور الثانوي، منتقدين كثافة البرامج في الابتدائي وإجبارية الدروس الخصوصية، وقد سجل الذين التقيناهم بأن "أغلب المعارف لا يحتفظ بها أبناؤهم بعد مرور الاختبارات والامتحانات، فهم يتعلمون ما يلزمهم لهذه الفترة ولا يتعلمون ما يفيدهم دوما في حياتهم إلا القليل ولا تعطى له أهمية"، مضيفين أن "النشاطات الثقافية والرحلات تقريبا منعدمة". وتأسف الأولياء لعدم تحكم أولادهم في اللغات حتى اللغة العربية، وتمنوا أن يروا أبناءهم يحملون كتابا ويطالعون خاصة في الصيف". فهل ستتحقق أمنية الآباء والأمهات في الموسم الدراسي المقبل والمواسم القادمة ويطالع المعلم والمتعلم والأولياء؟

ويضيف المتحدثون إلى هذا مسألة الانضباط، وفي سؤالنا عن صعوبة تحقيقه في حالة غياب الأسرة؟ يقول المعلمون والمديرون الذين تحدثنا إليهم إن "المدرسة تلح على فرض الأولياء لسلطتهم على أبنائهم لأن غياب الامتثال لنظام الأسرة وتقاليدها نتج عنه عدم احترام النظام الداخلي للمدرسة أيضا". ويضيف المتحدثون بأن "الأسرة غالبا ما تقف إلى جانب أبنائها لعجزها عن مواجهة الموقف، فمثلا في اللباس غير المحتشم والهاتف النقال، فالأولياء يرفضون تدخل المدرسة لأنهم بكل بساطة يفضلون تجنب الدخول في مواجهات مع الأبناء". ويسجل التربويون باستياء كبير مشاركة الأولياء ومساعدة أبنائهم في الغش، لكن من الجهة الأخرى يتم التأكيد أن المدرسة بدورها عجزت عن فرض سلطة الراشد على القاصر، فأغلب المدارس تفتقد لتقاليد في الدخول وتحية العلم والخروج...

الإضرابات حطمت المدرسة الجزائرية

بدورهم يسجل الأولياء استياءهم، مثلما تقول السيدة باشا من جمعية أولياء التلاميذ، من عدم قدرة أبنائهم على استيعاب البرنامج. وعليه نقول إنه يجب إشراك الأولياء في الإصلاحات التي شكلت صدمة بالنسبة لهم، حيث ذكرت بأنهم طالبوا بتدريس اللغات الأجنبية (اللغة الفرنسية على الخصوص)، من السنة الأولى ابتدائي، فالتلاميذ يجب أن يكون لهم معرفة جيدة باللغات. وعن الاختبارات والامتحانات الرسمية خصوصا، ترى بأنها صارت تشكل ضغطا نفسيا كبيرا على التلاميذ، مستشهدة بجلسات الاسترخاء وزيارات العيادات النفسية، فيجب أخذ الأمور بشكل عادي وهذا دور الجميع.

وتطالب السيدة باشا بإعادة الاعتبار للبطاقة التركيبية التي تسجل مسار التلميذ للحد من هجرة المدرسة واستعادة الانضباط، متسائلة كيف ينال تلميذ البكالوريا بمعدل 12 ويسجل له نهاية الدراسة. كما تدعو إلى محاربة الدروس الخصوصية، محملة الإضرابات استفحال هذه الظاهرة لأن العلم كالماء والهواء لا يباع ولا يشترى، تقول السيدة باشا، مضيفة: "إن الإضرابات حطمت المدرسة الجزائرية"، و"أن المدرسة الجزائرية فقدت هيبتها". وبالمناسبة قالت محدثتنا إن ما يقال عن فتح المؤسسات للمراجعة غير موجود في الواقع إلا بنسبة ضعيفة، وهذا ما تم تسجيله من خلال زيارتهم الميدانية واتصالاتهم مع المؤسسات.

مؤكدة في الأخير الحاجة إلى تغيير جذري يخرج أبناءنا من الملل الذي يعيشونه في الأقسام، وبأن أي إصلاح يجب أن يقوم على تكوين جيد للأساتذة وبإشراك الأولياء. ولم تخف السيدة باشا غياب تعاون حقيقي بين الأولياء والمدير التربوي الجزائري، وبشهادة الواقع والمشرفين التربويين فالمدرسة الخاصة لا تقوم على دور تربوي لفرد أو جماعة ولا على نظرية تربوية يجعلها تختلف عن المدرسة العامة، ولا تدخل في مفهوم التعليم الحر. وفي حديث سابق مع أحد أعضاء الجمعية الوطنية للمدارس الخاصة حول مشروع هذه المدارس ونظريتها التربوية، يعترف بأنه لا يوجد إبداع والمشروع هو نفس مشروع وزارة التربية الوطنية.

ينبغي أن نكون أقوى في التعليم

"أصبح من اللازم أن نكون أقوى في التعليم"،بهذا تنادي "ليندا دارلينغ مهموند" أستاذة في التعليم بجامعة ستانفورد، معللة أن التغيرات الحديثة في الاقتصاد تعني أنه على جميع الأطفال أن يتقنوا مهارات التفكير الإبداعي حتى يكونوا على أتم الاستعداد لها. فأي مدرسة يحتاج أبناؤنا ويستحقون هم أيضا ؟ والتعليم اليوم يستهدف تعليم الأطفال مبكرا الامتنان بشحذ حواسهم، لأن الامتنان طريق السعادة والعطاء، تؤكد الدراسات... تعليم ينطلق من تقدير الفرد لذاته ومهارة التواصل مع الآخرين والمبادرة واتخاذ القرار والعمل كفريق، إنها حزمة من المهارات الحياتية ليست فقط معارف أكاديمية... وأن السلوكيات والقيم لا تلقن بالنصح والإرشاد بل بالممارسة، فالتعليم مطلوب فيه معلمون متفائلون متحمسون وأطفال مجتهدون... تعليم موجود في كل مكان ليس فقط في حجرات الدرس، فمتى تتوفر لدينا مدرسة يسيرها الأساتذة والأولياء والتلاميذ ؟

 



مواضيع ذات صلة

التعليقات

  1. malek   24 جوان 2014

    Merci infiniment pour cette analyse trés pertinente qui vous honore et en meme temps vous engage. En lisant votre article, en filigrane, on sent que vous etes une passionnée de l'enseignement et vous aspirez, à une école, à un enseignement de qualité que malheureusement ne peut etre l'oeuvre d'une seule personne ou d'un groupe de personnes mais de toutes les composantes de la société. j'espere que votre article a contribuera a une reflexion sur le devenir de l'ecole algerienne bon courage et grand merci

  2. nesrine   23 جوان 2014

    فعلا .. ما تعلمته من ثقافة التعامل مع الناس و مع الحياة كان خارج المدرسة التي نسيت ما تلقيت فيها من معارف في الجغرافيا و التاريخ و العلوم مثلا نسيته .. فقد كنت أحفظه لاجتياز الاختبارات و الحصول على نقطة الانتقال ..و اليوم و أنا أحضر لشهادة الماستر أشعر بأنني تحررت من تلك القيود و كأنني الآن بدأت أتعلم و ما أتعلمه اليوم أحضل عليه في الكتاب و الانترنت .. فالمدرسة اقتصر دورها على التعليم الأكاديمي الذي من الممكن تحضيله و نحن في البيت أو في المكتبة .. فرفقا بالأجيال القادمة

أترك تعليقا

شكرا لك تمت إضافة تعليقك بنجاح .
تعليق