الرئيسية التعليق مسودة تعديل الدستور.. حضرت السلطة وغاب الشعب


فصل الكلام

علي جري

مسودة تعديل الدستور.. حضرت السلطة وغاب الشعب


  علي جري     adjerri@hotmail.com

مقالات سابقة للكاتب

- ' زمار الحي لا يطرب '
- ديمقراطية التعددية... والديمقراطية العددية
- التقسيم الإداري وتوزيع الثروة

 

حتى وإن أكد أحمد أويحيى، مدير ديوان رئاسة الجمهورية، بأن مقترحات مسودة تعديل الدستور هي على سبيل التنوير لا تخضع لأي حدود مسبقة، باستثناء تلك المتعلقة بالثوابت الوطنية وكذا بالقيم والمبادئ المؤسسة لمجتمع الجزائري، فإن النية السياسية المعبّر عنها من قبل السلطة باتت مؤكدة من خلال المسودة المعروضة للنقاش والإثراء، والتي لم تتطرق للقضايا الجوهرية في الدستور، كطبيعة نظام الحكم في الجزائر والتوازنات الكبرى بين السلطات والفصل بينها وكذا استقلالية العدالة وصلاحيات رئيس الجمهورية وشروط الترشح وصلاحيات تعديل الدستور الذي طالما عدل خارج إرادة الشعب، كما هو الشأن لتعديل 2008 الذي فتح العهدات وألغى وظيفة رئيس الحكومة. والأكيد أن الاقتراحات التي ستقدم من قبل بعض الأحزاب السياسية وجمعيات المجتمع المدني والأكاديميين والشخصيات الوطنية، ستعرف نفس مصير مشاورات بن صالح في 2011، لأن لا شيء تغيّر منذ تلك الفترة، بل سجلت تراجعات متتالية بلغت أوجها في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، عندما أقدم الرئيس بوتفليقة على الترشح لعهدة رابعة رغم حالته الصحية المتدهورة.

فهل يعقل أن الرئيس الذي لم يحترم الدستور في الماضي القريب بإدخال تعديلات على بعض مواده لضمان البقاء في السلطة، هو نفس الرئيس الذي سيقبل اليوم بإدخال تعديلات عميقة تضمن توازن السلطات، حتى مقترح الرجوع إلى تحديد الفترة الرئاسية بعهدتين أفرغ من محتواه لأن الأمر، ببساطة، يتعلق بنفس الشخص وليس بشخص آخر.

إلى يومنا هذا، لم يفصح الرئيس فيما إذا سيعرض الوثيقة النهائية للدستور على الاستفتاء الشعبي أم سيمرّره عن طريق غرفتي البرلمان، رغم أن بوتفليقة وعد بإدخال تعديلات عميقة على الكثير من مواده، ما يعني أن الاستفتاء الشعبي خيار لا بد منه، وهذه مشكلة أخرى يجب معالجتها في الدستور بصفة واضحة باستعمال عبارة "يجب على رئيس الجمهورية" عوض "يمكن لرئيس الجمهورية"، لأن الأمر هنا يتعلق بالشعب الذي هو مصدر السيادة.

في بلدان أخرى، يحق لأي مواطن إخطار المجلس الدستوري، عكس ما جاءت به مسودة الدستور التي وسعت الإخطار في الظاهر ليشمل الوزير الأول المعيّن من قبل رئيس الجمهورية، فضلا عن 70 نائبا من البرلمان أو40 عضوا من مجلس الأمة، لكن في حقيقة الأمر بحكم تشكيلة المجلس التي لا يمكن أن تخرج عن إرادة الرئيس الذي يعيّن أربعة أعضاء، بمن فيهم الرئيس ونائبيه، يظل حق الإخطار من الحقوق التي لا يمكن تجسدها في يوم ما، مادامت السلطات متداخلة وما دام الرئيس يتمتع بصلاحيات تتجاوز صلاحيات الملوك.

لماذا لا يوسع الإخطار إلى القضاة بحكم اختصاصهم وممارستهم اليومية في تطبيق القانون؟ ولماذا لا توضع من بين شروط الترشح لمنصب الرئيس شرط الإقامة الدائمة في الجزائر حتى نضع حدّا نهائيا لعملية استيراد الرؤساء الذين يتباهون بغيابهم عن معايشة المشاكل اليومية للمواطن الجزائري؟ هذه بعض النقاط وما أكثرها تعبّر عن غياب إرادة سياسية لدى السلطة في الذهاب إلى إدخال تعديلات على الدستور من شأنها وضع القطار على السكة. Â